حاورها : عبدالكريم القيشوري
يسعد موقع ” الملاحظ جورنال” أن يقدم ضمن حواراته مع” نساء مبدعات/ رئيسات جمعيات ثقافية ” حوارا مع شخصية نسائية مبدعة .الفاعلة الجمعوية رئيسة جمعية بيت المبدع الدولية؛ شاعرة الماء ريحانة بشير. عن الماء والشعر والحياة.. فتحنا معها بوابة البوح عبر هذا الحوار لنتابع :
– يقال بأن الشعر ذاكرة العبادة؛ تمتهنه النساء لرغبتهن في أن يثبتن أن قلقهن مصنوع من ماس؛ فيما قلوب الرجال مصنوعة من فضة. هل توافقين هذا الطرح ؟
الشعر عوالم يعيشها الكوني الذي يقطن في دروب وأزقة وشمس ورطوبة واخضرار القصيدة بكليته ،ليس الرجل الشاعر سوى امرأة شاعرة والاختلاف ارتباط قوي ،القلق قاسم مشترك به يفتح الظل الأرض ليجاورها حديثا، وألفة، ووجدانا ،ورؤى وتجليات.
– هل بامتلاك شغف التعبير بمشفرات الشعر؛ واللعب على موسيقى الضد وعكسه؛ تبرق الشاعرة ريحانة بشير برسائل صوتية بليغة ؟
بكل هذا وربما بالوضوح الدال حين يقتضي المقام، التعبير لغات وإشارات ورموز، وحين تبرق اللغة تصل الكلمات إلى أبراج الحمام العالية لتطل على الأرض وترسل الهديل معنى.
– يقال بأن قصيدة النثر لم تولد من ” اللامكان” وأن الدرجة “صفر” غير موجودة في الكتابة . مارأيك ؟
نعم الكتابة لم تولد من الصفر ،هناك التماعة أو ومضة تشهق في الدواخل بناء على رؤية أومعايشة حدث ما ، ذلك الحدث الذي يجعل الذهن متفاعلا ومفعولا لتوليد الفكرة.حتى ولو بعد سنين، أوأشهر، أو ثانية.الاختمار قوة تمحو العدم.
قصيدة النثر ولدت معنا،صرخة الوليد قصيدة مكثفة دالة على الحياة.قصيدة بصوت واحد، تجتمع فيها كل الأمكنة ،لاصورة لها،لا شكل لها ،هي كما هي تعبر عن حالها من خلال الكلمات الفاتنة والمفتونة بالقلق الرابض على محيّا الواقع، والنفس، والعالم ،واللغة. قصيدة النثر ستبقى الاختيار المتشرّد في أروقة الزمن كالمجاذيب لهم ولها ما نحتاجه من دم القول ليعيش الجسد دما غامض المرامى معتما بشكل مطلق، عصي على الفهم والتفسير، لكن في مائها النثري تجد حياة أخرى وبلاغة أخرى وهذا ما يجعلها العالم الذي أبحث عنه ليكون عالما جميلا مدهشا خاشعا نبيا معها وبها أعود إلى الأمل وأنا أفكك قنابل متفجّرات لا أقنط حين أعيد البناء أبيض كالحلم . ولأنني متألمة جدا أسترسل في قص جبتها الواسعة بمقص ذهبي؛لأرفع عني هذا الغطاء القابل للضغط والاختزال والتغيير والشطب والتبديل وأقول إنها من النثر ؛ ومن الشعر؛ ومن كل شيء تأخذ دمها ؛ لردع القبح وتعريته بكل اللغات؛ لأن الحال حين يضيق ؛ كاليوم الذي نعيشه. كالزمن الذي لم نحترم طبيعته ؛ والأبعاد المنطقية لتواجده حتى أصبح الحيوان الآن أكثر سموا في شجاعته ،قصيدة النثر صديقتي وأكن لها الاحترام والنبل وأراها تردد موجة إذاعية خاصة تليق بسمعي.
– هل يمكن اعتبار ما تبدعه الشاعرة ريحانة بشير يدخل في إطار الحداثة الشعرية التي تعيد الحياة إلى اللغة على إيقاع الزمن الحديث ؟
أنا أعيش ضمن المجموعة وأبتعد دون أن أبتعد حقيقة، الحداثة انفجار معرفي، لغوي فاق الكائن البشري، من يضبط الخلل سوى الخلل بجرعة قوية. حين أكتب في عصر مختل المعايير والقيم ، لا يسعني إلاّ أن أ كونه صرخة قوية حتى الهذيان ،ربما حتى النسيان ، ربما بإبر تعيد للحياة صحتها وللغة وجهها الآخر أكثر جمالا وأكثر قبحا ، لتتوازن بالكتابة . الحداثة نحن ، ونحن فيها شئنا أم أبينا.
– هل للقصيدة دور في الحياة؛ كما كانت في الماضي ؟
باعتبار الشعر تدوينة في أذن المتلقي فهو الحياة. الشعر كان ولازال المصاحب للفتن والمصاحب للصحو وهو الأمين على سر الحياة حين يتغير مفهومها وترحل نحو المجهول، المجهول هو الشعر حين يعود بالحياة ويأخذ إرهاصاتها. رغم أن الكثيرين لا يؤمنون بضرورته، لكنه موجود بقوة الحياة.
– ماذا ينقص الرجل كي لا يندم ؛ وماذا ينقص المرأة كي تكون . من وجهة نظرك ؟
الرجل لايندم مادام قضم من التفاحة ولم يأكلها. والمرأة كائنة حين تعترف بقوة الجاذبية.
– كشاعرة مبدعة وفاعلة جمعوية “رئيسة جمعية بيت المبدع الدولية” هل يمكن اعتبار العمل الجمعوي بديل حقيقي للعمل السياسي ؟ كيف ؟
قد يكون العمل الجمعوي صديقا غير وفيّ للفعل السياسي ،فهما يلتقيان عند حدود المجتمع في خدمته ،لكن تختلف الرؤى بحسب الفعل. العمل الجمعوي فكرة تحدد طريقها خدمة للمجتمع في تنميته ، في مشاهدته ينمو في حيوية متجددة ، فهو المغير الصامت و السياسة نصب الخيام على حافة البئر. الفكر الجمعوي ينظم ويؤسس ويبني وفق أحلامه وطموحاته التي قد لا تتحقق .وقد تتحقق وفق المنظومة التي تؤمن بالمجتمع المدني أي المؤسسة.
– ما دور الجمعيات الثقافية الفاعلة في تحريك عجلة التنشيط الثقافي والاقتصادي.. وهل من إكراهات تعيق تطبيق برامج جمعية بيت المبدع الدولية التي ترأسينها ؟
الجمعيات محرك أساسي في تنمية المجتمع ثقافيا ،واقتصاديا وسياسيا هذا التجاور الحساس لكفيل بخلق دينامية إيجابية لدى الفرد ،الجمعيات هي المكون: نسبة القراءة، عجلة التقدم، التنوير في مساحة ما من جهة ما ، تدبير أمور الأم والطفل اجتماعيا ، الأمثلة كثيرة ،قد نقول هي البديل ضمن الإطار العام للمؤسسات. وجمعية بيت المبدع التي أترأسها بكل محبة ،نرى جميعا أن العضو الفعال المنكر لذاته ، والواعي بفعله خدمة لوطنه هو ما يحتاج إليه الفعل الجمعوي ، نتكامل لنخلق رؤانا ، وتبقى الصعوبات التي تعترض جميع الجمعيات الجادّة التمويل لنسبر زوايانا المحدّقة الذكية لربط المجتمع بحاجياته التنموية ثقافيا . ولا نتحدث هنا عن جمعيات الاسترزاق والتكسب التي تضر بالمجتمع، تبقى في خانة التواطؤ المريض.
– عرفت الساحة الثقافية المغربية خلال السنوات القليلة الماضية انتشار ما يسمى بـ “الصالونات الأدبية” على غرار الصالونات العربية والأوربية؛ هل هي موضة أم ضرورة فرضها الوضع الثقافي العام ؟
الصالونات الأدبية ظاهرة نفسية أكثر منها أدبية إن زاغت عن الهدف، نحبذ اللقاءات التي تعرّف المتلقي برموزه الفكرية في جلسات مفتوحة للحوار والرقي بالفكرة .
– يطلق عليك لقب ” شاعرة الماء”. وعناوين دواوينك تحيل إلى خرير الماء ” قبل الإبحار ” – “حين يتكلم الماء” – ماذا عن ديوانك الأخير.”لا يعنيني هذا العالم”. هل هو ثورة ضد الماء ؟
لايعنيني هذا العالم . العوالم مختلفة في معيشتها ،نحن نغني للمحبة، لديار لا نسمع فيها ولو سهوا أزيز الموت ، وحين تختلط المفاهيم ، ويضيع الطفل والرواء ،يضيع الحزن والشغف ويموت الفرح وتشح الغيمة، وهذا ما يواجهه عالمنا ، ننتقل إلى عالم آخر أكثر مطرا ، أكثر التماعا ،عالم يفيض ماء نورانيا روحيا ، ذاك عالمي. منه أخاطب أرواح أخرى تفهم الغيث وتقدّر الروح في تجلياتها ومقاماتها.
-كلمة أخيرة
أشكر محاوري على كرم الاستفاضة في حديث وقفنا معه وبه على برهان الحياة. .