الإنصات إلى مكنونات الذات المبدعة
الدارالبيضاء:عصام حجلي -فاطمة القبابي.
عندما تلتحف الكلمات ثوب الإبداع، تفيض بالدلالات والإيحاءات العميقة، وتخرج لتعانق سماء النجوم مستنجدة بجسور الأمل والحياة والوجود، معلنة انفلاتها من سجن الجراح والمعاناة والخراب الروحي.
عندما تصرخ الكلمة، صرخة الولادة من رحم المحنة، وتستوطن عوالم الخيال، وتنتظم كنظم عقود زينتها الجواهر، في أفق ذلك يختار المبدع الإقامة بين أحضان المعاني والكلمات والحروف، عله يجد في الخيال ترياقا لغربته ووحدته، وعزاء لحرقة أسئلة الذات والوجود، وملجأ للهروب من فوضى العالم والأفكار.
من السجن المفتوح تهرب المعاني المقدسة والمحملة بالمتعة واللذة، تذوب كل القيود، ويجد المبدع نفسه في خلوة صوفية بطعم السكون الروحي، الذي يوحده الإبداع وتتجاذبه عوالم الأمل والألم، الحضور والغياب، الواقع والخيال، ثنائيات تؤجج عالم المبدع، وتطلق العنان لخياله محلقا في سماء الحرية بشموخ الكلمات والمعاني والصور والرموز.
بابتسامة مشرقة، دافئة تطرد العجز والكسل، الخوف والألم، وتنتصر للسعي والنشاط، والجد والعمل، والتحدي والانتصار، أطل الزجال عزيز محمد بنسعد، من شرفة الإبداع والفن والإنصات لمكنونات الذات المبدعة، على تلاميذ “ثانوية خديجة أم المؤمنين”، يوم السبت 5 أبريل 2025، التابعة لمديرية البرنوصي بالدارالبيضاء، في عرس فني ثقافي، ممزوج بألوان الإبداع، والاحتفال، التي تبث الحياة في الحياة.
جسور نسجها نادي خديجة للثقافة والإبداع، بين تلاميذ المؤسسة والروح المبدعة للزجال عزيز محمد بنسعد صاحب الكلمة المثخنة بالمعاني، والمرصعة بالرموز وكأنها أقراط الياقوت أضفت لمسة جمالية في لقاء فكري وثقافي وفني متنوع.
●سفر في بحر الإبداع
بلوحات الترحيب، وبكل اللغات، وبالكلمات المطرزة، أرست سفينة التلميذتين أميرة و رجاء لتقدم لمحة عن فن الزجل، وعن فرحة اللقاء بالزجال المبدع بنسعد، الذي سافر بالحضور إلى عالم الأحاسيس والصور والرموز بتجربته الذاتية، التي حبته الطبيعة، وملكته اللغوية التي تصول وتجول على شاكلة صور إبداعية، في عالم البوح انطلقت سارة وأسماء، لتسبر أغوار ذات بنسعد، وتكشف عن هواجسه، واعتمالاته، وأحاسيسه، وتنقل بالكلمات واللغة الراقية تجربة المبدع في محاورة صحفية زاخرة بالذكرى بين الماضي والحاضر.
سفر من نوع أخر، في ربورتاج صحفي، للإعلامي صلاح ثابت، وفي رحاب السفر بكلمات، فاقت الخيال، وعانقت السحاب، لتفصح عن روعة الإمتاع، الذي لامس القلوب، ركب الحضور سفينة السيرة الذاتية للمبدع والزجال عزيز محمد بنسعد.
●بالإبداع نستطيع أن نقيم جسورا
كنجمة تقاوم الظلمة، لتضيء في سماء الفن والإبداع، تصطاد المعاني، وتسرح في ظلمة النهار، معلنة رفضها لـ”لطنز العكري”، ومستمرة بـ “حتيت بلا مغزل”، تألق وراء أخر، عبر عنه المتدخلون في أمسية الاحتفاء بقراءة بعض قصائد الرجل، وبكلمات في حقه عبر عنها مدير المؤسسة، الأستاذ “يوسف غطي”، الذي أعرب عن سعادته وفرحته بأهمية مثل هذه اللقاءات الثقافية والفنية والتربوية، التي تسهم في تفعيل الحياة المدرسية، وتقيم جسور التواصل والتبادل الفكري والثقافي بين التلاميذ وباقي الأطراف الفاعلة.
باللحن والشجن، وبقريحته الشعرية ولغته الزجلية، التي تمتح من ألمه ومعاناته، ومن ثقافته الأدبية انبثقت أعمال فنية كانت أرضية للنقاش والنقد، ومنها الورقة التي قدمها الدكتور يونس الإدريسي الذي قدم ورقة نقدية حول تجربة الرجل الإبداعية، وتسلط الضوء على أهم أعماله الإبداعية والمعاني ودلالتها، وفي قدرة الرجل على تحويل رمزية الذات والانبعاث من الرماد.
●وراء كل مبدع عظيم ألم عظيم
على صهوة الكلام انطلقت الأستاذة أميمة أمشراف، في سفر بلا جوازات في دواخل ذات المبدع وطقوسه الإبداعية في التعبير عن الذات المبدعة، سافرت بنا المختصة النفسانية والمعالجة بالفن في لا وعي المبدع، وهي تسبر أغوار تجربته الإبداعية والحياتية، وهو يطل من شرفة الإبداع على أعماق الروح والكون بوصفه متنفسه الحياتي، والذي يترجم رؤيته للعالم، وتفجير طاقات اللغة وشحنها وتقنيعها بأقنعة الإبداع، وقد عبرت مداخلة الباحثة عن سحر وقيمة الكلمة في التعبير عن الذات، فهي سلاحها أمام هذا العالم المتشظي، وأمام عجز الإنسان عن البوح بمكنونات الذات، إن الإبداع في نظرها آلية تطهير الذات، وتخليصها من ألمها بحثا عن ضوء هارب، وأمل يتفجر من الداخل إلى الخارج لتخيط هذه الذات جروحها الحياتية إبداعيا عبر اللغة.
●لوحات فنية موسيقية ومسرحية
اللقاء كان فرصة للتلاميذ لتقديم لوحات فنية وموسيقية، في جو الفن والإبداع والكلمة الساحرة قدمت خلالها التلميذة “أمل” أغنية خربوشة الشعبية التي تتغنى بالمقاومة ضد بطش القائد، وقدم كل من زكرياء، وهبة، وأمل مسرحية “إسمع يا عبد السميع” مقطع يناقش الصراع الجدلي بين الحياة الواقعية والعلم والحلم والرومانسية، صراع يختزل داخله الناس جميعا، ليختتم هذا اللقاء الفني والثقافي بتتويج المشاركين بحفل شواهد.