ميناء آسفي على صفيح ساخن: اختلالات بنيوية تخنق صغار البحارة وتستدعي تدخلًا عاجلًا للإنصاف
يعيش ميناء آسفي، أحد أبرز المرافئ التاريخية بالمملكة، حالة احتقان متصاعدة تنذر بتداعيات اجتماعية واقتصادية مقلقة، في ظل ما يصفه مهنيون بسطوة “لوبيات” الاحتكار التي أضحت تتحكم في مفاصل حيوية من نشاط الصيد البحري، مخنقة بذلك صغار البحارة، ودافعة بالقطاع نحو اختلالات عميقة تمس جوهر العدالة المهنية وتكافؤ الفرص.
ففي الوقت الذي يشكل فيه الصيد البحري المورد الأساسي لآلاف الأسر بالمدينة، يجد البحارة الصغار أنفسهم محاصرين بين ارتفاع تكاليف الإبحار، وتقلبات السوق، وهيمنة وسطاء يفرضون أثمانًا وشروطًا مجحفة في التفريغ والتسويق، في مشهد يعكس اختلال ميزان القوة داخل الميناء، حيث يطغى منطق الريع والاحتكار على حساب العمل والكدّ في عرض البحر.
وتتحدث مصادر مهنية عن ممارسات وُصفت بغير الشفافة، تتحكم في ولوج السوق وفي توجيه مسارات البيع، بل وتمتد أحيانًا إلى الاستفادة من امتيازات داخل الميناء، ما عمّق الإحساس بالحيف والإقصاء، وأذكى منسوب الغضب في صفوف البحارة الذين يرون أن دورهم الحيوي في الدورة الاقتصادية يُقابل بالتهميش والتجاهل.
هذا الوضع، الذي لم يعد خافيًا على المتابعين للشأن المحلي، يطرح أسئلة حارقة حول فعالية آليات المراقبة، وحول مدى التزام الجهات الوصية بضمان منافسة شريفة تحمي الفئات الهشة، خاصة في ظل ما يعتبره المهنيون صمتًا مؤسساتيًا غير مبرر، رغم توالي الشكايات وتنامي مؤشرات الاحتقان داخل الميناء.
وأمام انسداد قنوات الحوار وغياب حلول ملموسة، ترتفع الأصوات المطالِبة بتدخل مؤسسة وسيط المملكة، باعتبارها آلية دستورية للإنصاف، من أجل فتح تحقيق موضوعي ومستقل في الاختلالات المتداولة، والوقوف على حقيقة ما يجري داخل الميناء، بما يضمن احترام مبادئ العدالة الاقتصادية وربط المسؤولية بالمحاسبة.
ويحذر فاعلون مهنيون من أن استمرار هذا الوضع على ما هو عليه قد يؤدي إلى توترات اجتماعية أوسع، في مدينة يرتبط فيها النسيج الاجتماعي ارتباطًا وثيقًا بأنشطة البحر، مؤكدين أن معالجة الأزمة لم تعد تحتمل الحلول الترقيعية، بل تستدعي إرادة إصلاح حقيقية تعيد الاعتبار للبحار الصغير وتضع حدًا لمنطق التحكم والاحتكار.
فميناء آسفي، بما له من موقع استراتيجي ودور اقتصادي محوري، يفترض أن يكون رافعة للتنمية المحلية ومجالًا لتكافؤ الفرص، لا ساحة مغلقة تتحكم فيها قلة نافذة. وبين هدير الأمواج وثقل الواقع اليومي، يظل الأمل معقودًا على تدخل يعيد التوازن إلى هذا المرفق الحيوي، وينصف صغار البحارة، صونًا للسلم الاجتماعي وحماية لقطاع يشكل أحد أعمدة الاقتصاد البحري الوطني.