حين ينادي التاريخ وتشتعل المدرجات… كتيبة الركراكي في موعد مع استعادة العرش الإفريقي
بين الأرض والجمهور والتاريخ، يدخل المنتخب المغربي لكرة القدم مرحلةً مفصلية من مساره القاري، وهو يستعد لخوض غمار كأس أمم إفريقيا فوق ترابه الوطني، محمولًا على طموح مشروع، وذاكرة جماعية لم تهدأ منذ آخر تتويج إفريقي، وإرادة جماهيرية ترى في هذه النسخة أكثر من بطولة… تراها لحظة استعادة للعرش، وإعلانًا عن نضج مشروع كروي متكامل.
كتيبة وليد الركراكي لا تبدأ المنافسة من نقطة الصفر، بل من رصيدٍ ثقيل من الإنجازات والتجارب. منتخب بلغ نصف نهائي كأس العالم، وفرض احترامه على كبار اللعبة، لم يعد يُقارب كرقم صعب فقط، بل كقوة كروية لها هوية واضحة، وانضباط تكتيكي، وروح قتالية لا تنكسر. هذا الرصيد، وإن كان مصدر فخر، فإنه في الآن ذاته يرفع من سقف الانتظارات، ويجعل التتويج القاري هدفًا لا يقبل التأجيل.
عامل الأرض والجمهور يضع المغرب في موقع خاص داخل هذه المعركة. الملاعب التي ارتدت حلتها القارية، والجماهير التي تتقن دور “اللاعب رقم 12”، تشكل رأسمالًا معنويًا هائلًا، لكنه يحتاج إلى حسن التوظيف. فالتاريخ علمنا أن اللعب داخل الديار قد يكون نعمة إذا أحسن المنتخب استثماره، وقد يتحول إلى ضغطٍ إضافي إن لم يُدار بعقل بارد وشخصية قوية. وهنا يبرز دور الركراكي، ليس فقط كمدرب تكتيك، بل كقائد يعرف كيف يحوّل الحماس إلى طاقة إيجابية داخل المستطيل الأخضر.
من الناحية التقنية، يتوفر المنتخب الوطني على جيل متوازن يجمع بين الخبرة والطموح. أسماء احترفت أعلى المستويات الأوروبية، وتشرّبت ثقافة المنافسة الكبرى، إلى جانب عناصر شابة متعطشة لكتابة اسمها في سجل المجد. هذا التنوع يمنح الجهاز التقني حلولًا متعددة، ويجعل المنتخب قادرًا على التكيف مع مختلف سيناريوهات المباريات، في بطولة تُعرف بتقلباتها وصعوبة تفاصيلها.
غير أن الطريق إلى العرش الإفريقي لن يكون مفروشًا بالورود. القارة تعرف اليوم تنافسًا غير مسبوق، ومنتخبات اعتادت لعب دور “الخصم الصعب” جاءت بطموحات كبيرة، ولا تعترف لا بتاريخ ولا بأفضلية ورقية. النجاح في هذا الموعد القاري سيُقاس بقدرة المنتخب المغربي على إدارة التفاصيل الصغيرة: التركيز، الصبر، الفعالية أمام المرمى، والصلابة الذهنية في لحظات الشدّة.
إنها بطولة تختبر ليس فقط جودة اللاعبين، بل نضج المشروع الكروي برمّته. وبين حلم الجماهير، وثقل التاريخ، وطموح الجيل الحالي، تبدأ كتيبة الركراكي معركة استعادة العرش الإفريقي. معركة عنوانها الإيمان بالقدرة على التتويج، وشعارها أن المغرب لم يعد يشارك ليُشرف فقط، بل ليصنع الفارق، ويكتب فصلًا جديدًا في كتاب الكرة الإفريقية.