عبد العزيز حيون (و.م.ع)
اختارت روسيا أن تنال شرف احتضان مباريات نهائيات كاس العالم 11 مدينة، منها ما هو قريب نسبيا، ومنها ما هو بعيد للغاية، وبلوغ هذه المدن يتطلب وقتا طويلا يتعدى بضعة أيام، كما هو حال التنقل بين موسكو وييكاترنبورغ عبر القطار العادي الذي يستلزم نحو ثلاثة أيام.
ورغم أن السلطات الروسية قد أكدت في وقت سابق أنها وفرت لضيوفها في المونديال حافلات للنقل وقطارات ووسائل أخرى مجانا، إلا أن المسافة الطويلة جدا والمدة الزمنية التي يتطلبها التنقل هي مشكل عويص، ما قد يعيق تحرك عشاق كرة القدم ويحد من طموحهم حضور أكبر عدد ممكن من المباريات.
فالمسافة مثلا بين كالينينغراد وييكاتيرينبورغ تتجاوز 2483 كلم، وبين ييكاتيرنبورغ وسان بطرسبورغ 2225 كلم، وبين موسكو وييكاترينبورغ 1772 كلم، وبين موسكو وكالينيغراد 1259 كلم، وبين موسكو وسان بطرسبورغ نحو 640 كلم، وبين كالينينغراد وسان بيترسبورغ 961 كلم، وهي المسافات المحتملة التي على مشجعي المنتخب الوطني المغربي قطعها لمتابعة مباريات النخبة الوطنية.
كما أن بين موسكو وكازان ،عاصمة جمهورية تتارستان، مساحة 719 كلم، وبين موسكو وسامارا 857 كلم، وبين موسكو وسوتشي 1622 كلم ،وبين موسكو وروستوف على نهر الدان نحو 1075 كلم، وبين موسكو وفولغوغراد نحو 970 كلم، أما أقرب مدينة من موسكو تحتضن مباريات نهائيات كأس العالم فهي نيجني نوفغوراد، التي تبعد عن العاصمة الروسية بحوالي 417 كلم.
ويتضح من خلال هذه المعطيات أن المسافات الفاصلة بين العاصمة الروسية موسكو والغالبية العظمى للمدن المحتضنة لمباريات المونديال ليست بالهينة، ويتطلب الانتقال إليها ومنها الى مدن أخرى جهدا كبيرا ومضنيا ،خاصة وأن التنقل سيعتمد على القطارات، لأن التنقل عبر الطائرات سيكون متاحا لفئات محدودة لكون العرض لا يمكن أن يغطي طلبات ضيوف المونديال الروسي كلهم.
إلا أن صعوبة التنقل بين المدن الروسية المحتضنة لمباريات المونديال وطول المسافة بينها قد لا تكون فقط نقمة على عشاق الكرة المستديرة، إذ يمكن أن يشكل هذا الأمر مناسبة لضيوف المونديال لاكتشاف مكنونات الثقافة الروسية وتعددها.
وتكفي الإشارة في هذا السياق الى أن كل المدن المستضيفة للمونديال لها طابعها العمراني والاجتماعي الخاص وتقاليدها وأعرافها ومؤهلاتها الطبيعية والاقتصادية وفي أحيان كثيرة خصوصياتها اللغوية والعقائدية.
فمدينة كازان عاصمة جمهورية تتارستان والعاصمة الثالثة لروسيا بعد موسكو وسان بطرسبورغ، هي مرجع للثقافة الاسلامية في روسيا وفي الوقت ذاته رمز التعايش بين الأديان ،وتتميز بمواقعها الأثرية المسجلة في قائمة التراث العالمي ك”كرملين كازان” و متاحفها الكبيرة كالمتحف الوطني و متحف الفنون الجميلة و المتحف الأدبي لعبدالله توكاي و متحف مكسيم غوركي، وفيها الكثير من المعالم التي تبهر عشاق الثقافة.
ونفس الشيئ يقال عن مدينة سامارا إحدى أكثر المدن الروسية استقطابا للسياح بمناظرها الخلابة ومتاحفها الفريدة ،وعن مدينة سوتشي ،التي تنعت بأنها مدينة الحدائق والملاعب والشواطئ والهدوء .
فيما مدينة كالينينغراد، التي يوجد بها ضريح الفيلسوف العالمي إيمانويل كانت و هي المنفذ الوحيد لروسيا على بحر البلطيق ،تعد من أرقى الحواضر الروسية ويميزها طابع عمراني فريد لا يوجد في مكان آخر في كل روسيا بحكم قربها من الكثير من دول الاتحاد الأوروبي، إضافة الى أنه ليس للمدينة حدود برية مع الجزء الرئيسي من روسيا ما يجعلها نسبيا منعزلة عن باقي التراب الروسي.
كما أن مدينة سان بطرسبورغ، التي تعد خليطا من مجموعة من الأعراق، بحكم تاريخها الطويل، فعرضها الثقافي لا حصر له، وتكفي الاشارة الى أنها تحتضن متحف إيرميتاج البديع والراقي، وكاتيدرائية سيدة كازان ،وقلعة بطرس ،وساحة القصر، ومتاحف خاصة لأشهر رجال الأدب الروس كبوشكين وليرمانتوف وأب النحو الروسي لامانوسوف وغيرهم كثير.
ولاشك في أن هذا الطابق الثقافي والتراثي الغني للمدن الروسية، التي ستحتضن مونديال 2018، قد ينسي عشاق كرة القدم صعوبة التنقل ويمنحهم متنفسا آخر يريحهم من التوتر، الذي ينتج عن المواجهات الكروية وحدة المنافسة بين مختلف المنتخبات الوطنية، التي يسعى كل واحد منها الى بصم حضور لافت.