بحثت عن عنوان يلخص القرارات العدائية التي يقوم بها جنيرالات الجزائر اتجاه بلادنا، فلم أجد سوى اقتباس هذا العنوان من كتاب الفيلسوف نيتشه “إنسان مفرط في إنسانيته”. وبما أن المملكة المغربية تحمل موقفا مغايرا لحكام الجارة الشرقية، قوامه التعاون والثقة وحسن الجوار، ارتأيت الاستغناء عن عنوان “عدو مفرط في عدوانيته” واستبداله بالعنوان “جار مفرط في عدوانيته”.
وحسبي في هذا الأمر أن أظل منسجما مع الاستراتيجية التي يعتمدها المغرب في محيطه الاقليمي والقائمة على أساس “تعاون جنوب-جنوب وفق منظور رابح-رابح”. كما أنه عنوان يعكس طريقة تعامل البلدين الجارين مع بعضهما البعض. فالشق الأول من العنوان يعكس نظرة المملكة المغربية للجزائر كبلد جار وشقيق تجمعه مع المغرب روابط كثيرة، والشق الثاني يعكس نظرة حكام الجزائر الذين ينظرون لجارهم الغربي كعدو ولا يترددون في الإفراط في عدوانيتهم اتجاهه.
واقع الحال الذي يجمع البلدين يتميز بروابط الجوار والدين واللغة والتاريخ، بل وحتى المصير المشترك بحكم تواجد البَلَدان بالقرب من العالم الغربي المتكتل فيما يسمى الاتحاد الأوروبي. والمنطق السليم يفيد أن المغرب والجزائر لا يملكان سوى التعاون والتكتل في اتحاد المغرب العربي من أجل مواجهة التحديات ومحاورة العالم الذي ينتظم في تكتلات واتحادات من أجل تدعيم مواقعه والبحث عن مزيد من القوة للدفاع عن مصالحه.
فالعلاقات الدولية ليست مبنية على المواعظ ولا على النيات الحسنة، وإنما هي تتحدث لغة المصالح وتستعمل القوة لفرض إرادتها وحماية مصالحها. إذا كان هذا هو المحيط الإقليمي الذي يتواجد فيه المغرب والجزائر، فإن المنطق السليم يحتم بالضرورة على البلدين تغليب التعاون والشراكة على الخلاف والصراع. وحتى إن وُجدت بعض الخلافات كيفما كانت، فإن المصلحة تقتضي تجاوزها وتغليب المصلحة الوطنية على إذكاء خلافات لن تستفيد منها سوى القوى الإقليمية المتكتلة في اتحادات لفرض قوتها على دول لا تتحدث سوى باسمها ولا تنتمي لأي تكتل إقليمي قوي وفعال.
إذا كان منطق الحال هذه هي سماته، فإن حكام الجزائر يسيرون عكس التيار، بل عكس مصلحة بلادهم ومستقبل شعوبهم. هذا الطريق الشارد الذي يسلكه جنيرالات الجزائر يجعلهم يفقدون بوصلة الإبحار ويسيرون في طريق بلا إشارات ولا حتى معرفة إلى أين يتجهون. هذا الواقع هو ما يمكننا أن نفسر به هذا الإفراط في عدوانيتهم اتجاه جارهم الغربي. فبعد إغلاق الحدود، والتدخل في وحدتنا الترابية بتمويل وتسليح الانفصاليين، أفرط الجنيرالات في عدوانيتهم بغلق أجوائهم على الطيران المغربي وقطع علاقاتهم الديبلوماسية. أفرط هؤلاء في عدوانيتهم لدرجة استعدادهم تكبيد بلدهم خسارات كبيرة، والتلاعب بمستقبل وطنهم، وهو ما يبرزه قرارهم الأخير بإغلاق أنبوب الغاز الذي يمر عبر التراب المغربي في اتجاه أوروبا. إنه عدوان لا يمكن أن يصدر سوى من نظام مفرط في عدوانيته ولا يمكن أن يصدر من مغرب مفرط في إنسانيته حسب تعبير نيتشه.
لكن الذي ينبغي أن نلاحظه، هو اهتمام جنيرالات الجزائر بما يحققه جارهم الغربي من إنجازات تنموية تشق طريقها نحو بناء مغرب جديد نام متقدم وقوي. فأغلب القرارات التي يتخذها حكام الجزائر ينشدون من ورائها إفشال المشاريع التي نجح فيها المغرب وفشل فيها حكام الجزائر.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، إغلاق الأجواء أمام الطيران المغربي يستهدف شركة الخطوط الملكية المغربية التي حققت نجاحا عجزت عن تحقيقه الخطوط الجزائرية التي تعاني من خطر الإفلاس وأصبحت تنتظر مساعدة الدولة للبقاء على قيد الحياة، دون إغفال الاتهامات المجانية للخطوط المغربية بنقل المخدرات في تصريح استهجنه العالم لأنه يعكس فقط انفعالات نفسية لجنرالات الجزائر اتجاه ما عجزوا عن تحقيقه وحققه المغرب.
أما قرار إغلاق أنبوب الغاز وحرمان المغرب من الاستفادة منه فيستهدف المشاريع الضخمة في مجال الطاقة التي نجح المغرب في بنائها كالمحطات الكبرى للطاقة الشمسية والطاقة الريحية والمشاريع المستقبلية التي ترتبط بإنتاج الهيدروجين وتصدير الطاقة النظيفة لبريطانيا عبر الحبل البحري الأطلسي.
نذكر كذلك ما قام به جنيرالات الجزائر من محاولات فاشلة لإغلاق معبر الكركرات الذي يستهدف التطور الكبير الذي تشهده تجارة المملكة المغربية مع البلدان الإفريقية، وذلك للتغطية على فشل الجنيرالات في خلق معبر مماثل يربط الجزائر مع عمقها الإفريقي. نسمع في المغرب عن معبر الكركرات في الحدود مع الشقيقة موريتانيا، لكننا لا نسمع عن معبر مماثل بين الجزائر وبلدان الجنوب.
وبعد فشل كل المناورات لإغلاق معبر الكركرات، لم يجد جنيرالات الجزائر سوى الطريق القريب من هذا المعبر مع محاولة استعمال المناطق العازلة الخاضعة لمراقبة قوات “المينورسو” التابعة للأمم المتحدة. إنها منطقة عسكرية وخطيرة وهو ما يعكس من جهة تعريض المواطنين الجزائريين للخطر من قبل حكام الجزائر، ومن جهة أخرى فشل الجنيرالات في خلق معبر مثيل للمعبر المغربيرغم أن الجزائر لها حدود مع العديد من الدول الإفريقية وهو ما يتطلب أن تكون لجارتنا الشرقية أكثر من معبر يضاهي معبر الكركرات.
وأخيرا نتطرق إلى قرار إغلاق الحدود الذي لا تلجأ إليه حتى الدول التي تنشأ بينها خلافات حدودية وبالأحرى دولتين يجمع بينهما كل ما يجمع بين الشعب الواحد. والهدف من هذا الإغلاق هو إخفاء الحقيقة عن الشعب الجزائري، حقيقة المشاريع التي نجح فيها المغرب وفشل فيها جنيرالات الجزائر.
إن الحل ليس في محاولة محاصرة المشاريع المغربية لإفشالها، وإنما يكمن الحل في أخذ المبادرة داخل الجزائر والعمل على إنجاز مشاريع وطنية ناجحة تضاهي المشاريع المغربية.
هذه نبذة من المشاريع الكبرى التي نجح فيها المغرب، فأرونا مشاريعكم التي نجحتم فيها؟
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي الملاخظ جورنال وإنما عن رأي صاحبها.