أرخت التغيرات الاجتماعية والاقتصادية ظلالها على حميمية العلاقات العائلية، بشكل أفضى إلى شبه قطيعة بين أفراد العائلة الواحدة، وترك واحدة من أفضل القربات وأعظم الطاعات التي تقرب الإنسان من ربه.
وشقت على كثير من الناس اليوم صلة أرحامهم ممن تجب صلتهم من ذوي القرابة بسبب كثرة الأشغال، أو بسبب المشاكل والنزاعات العائلية، كما ضاقت دائرة صلة الرحم عند كثير من الناس، فلا يصلون إلا من يصلهم، ولا يحسنون إلا لمن يحسن إليهم.
في هذا الصدد قال محمد بنعيسى، طالب باحث في سلك الدكتوراه، إن “صلة الرحم من القيم الإنسانية النبيلة التي لها مكانة بارزة”، مؤكدا تعرض العلاقة المجتمعية لتحولات مهمة نتيجة التغير الاجتماعي الذي عرفه المجتمع المغربي خلال الخمسين سنة الأخيرة، سواء على المستوى الاجتماعي أو الاقتصادي أو الثقافي.
وجرد المتحدث ذاته جملة من العوامل التي أدت إلى كبح صلة الرحم، “انطلاقا من انتقال أغلب سكان المغرب من الأرياف إلى المجال الحضري، وما يتبع ذلك من تحولات أخرى أملتها الظروف، من قبيل خروج الأبوين معا إلى العمل، إلى جانب ظهور مؤسسات أخرى متعددة فصلت الإنسان عن علاقاته البيولوجية”.
ويرى بنعيسى أن “طبيعة المجتمع الرأسمالي أرخت بظلالها على المجتمع المغربي، حيث تعرض الفرد للاغتراب بسبب جريه وسعيه المتواصل وراء الماديات، التي أضحت ممارسة نفسية وثقافية واجتماعية بديلة عن صلة الرحم”.
أبواب الجنة
قال محسن اليرماني، الباحث في سلك الدكتوراه تخصص العقيدة والفكر، إن “الله تعالى نهى عن قطع صلة الأرحام، ووعد بالأجر والثواب العظيم لمن يصل رحمه”، مبرزا أن “قطع الرحم سبب من أسباب الحرمان من دخول الجنة، كما قال الرسول: ‘لا يدخل الجنة قاطع رحم’”.
مؤكدا، أن “صلة الرحم جالبة للخير والبركة والرزق”، مستحضرا قول النبي ﷺ: “من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه”.
وأضاف اليرماني أن “النبي ﷺ حث على صلة الرحم وإن لحق الواصل الأذى من قرابته”، معطيا المثال برجل جاء إلى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي، فقال: “لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل، ومازال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك”.
ومعنى المل، يورد الباحث في الفكر والعقيدة، هو الرماد الحار، والمعنى المقصود من قول النبي: “تسفهم المل”، هو أن “تقابل إساءتهم بالإحسان فيقع عليهم الحرج الشديد نظير صلتك وإحسانك مع سوء معاملتهم”.
موضحا، أن “بنية الأسرة كمؤسسة أولية انتقلت من الأسرة الممتدة والمشتملة على الجد والجدة والأبناء والأحفاد إلى أسرة نووية تضم الآباء والأبناء فقط”.