بين حرمان الفقراء وبذخ المؤسسات… أين اختفى جوهر الدعم الاجتماعي؟

0

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

في مشهد يكشف بمرارة عن التناقض الصارخ بين الخطاب الرسمي والممارسة الواقعية، تعيش آلاف الأسر المغربية اليوم صدمة قاسية بعدما تم حرمانها من حقها في الاستفادة من الدعم الاجتماعي، تحت ذريعة “تحديث المؤشر الاجتماعي”، الذي يبدو وكأنه أداة تقنية جامدة، لا تعكس بتاتًا هشاشة الواقع المعيشي ولا تصغي لأنين المحتاجين.

ففي الوقت الذي ينتظر فيه المواطن البسيط التفاتة حقيقية من الدولة تخفف عنه عبء الحياة المتصاعدة تكلفتها، تصدمه قرارات إدارية لا ترحم، تقصيه من برامج الدعم التي سبق وأن ضمّته في لوائحها. وبينما تتخبط الأسر في مواجهة مصاعب العيش، تصدر الوكالة الوطنية للدعم الاجتماعي ـ وهي مؤسسة أحدثت لتكون ذراعاً اجتماعياً لرئاسة الحكومة ـ قراراً مثيراً للجدل بخصوص كراء سيارات في إطار عقد طويل الأمد بقيمة تفوق 182 مليون سنتيم، دون أن تشمل التكلفة مصاريف الوقود أو أجور السائقين!

الصفقة التي أبرمت مع شركة خاصة تطرح أكثر من علامة استفهام: ما الحاجة الحقيقية لهذا الأسطول المكلف؟ ولماذا لم يتم اقتناء سيارات تكون مِلكاً عمومياً بدل اللجوء إلى كراء طويل الأمد يفوق أحياناً تكلفة التملك؟ أهي فعلاً حاجة تشغيلية، أم أسلوب ممنهج في صرف المال العام بلا سقف للمحاسبة؟

الأدهى من ذلك، أن الوكالة ذاتها خصصت 150 مليون سنتيم إضافية لعقد صفقة تواصل وإشهار، يفترض أن تُوجه لمستفيدين يبدو أن معظمهم قد تم شطبهم من قاعدة البيانات! ما الهدف من التواصل إذن؟ أهو تلميع صورة مؤسسة بدأت تفقد بوصلتها الاجتماعية؟ أم تجهيز أدوات الدعاية الانتخابية المقنّعة تحت غطاء الخدمة العمومية؟

في وقت تتقلص فيه ميزانيات التعليم والصحة، وتُثقل كاهل المواطن بزيادات متتالية في الأسعار، نجد من ينفق ببذخ تحت شعار “الدعم”، في مفارقة مؤلمة تفرغ المفهوم من محتواه، وتحوّل المشاريع الاجتماعية إلى واجهات استعراضية لا تمس جوهر الحاجة الحقيقية.

الانتقادات تشتد، والشكوك تتزايد، خصوصًا مع اقتراب موعد الاستحقاقات الانتخابية، حيث عبّر كثيرون عن خشيتهم من أن تتحول مثل هذه المؤسسات إلى أدوات ناعمة لخدمة أجندات سياسية، بدل أن تكون منصات لتحقيق العدالة الاجتماعية وإنصاف الطبقات المهمشة.

ويبقى السؤال الأهم معلقاً في أذهان المواطنين:
هل ما زال الدعم الاجتماعي أداة للإنصاف، أم أصبح وسيلة للظهور والبذخ؟
وهل يمكن لعقلية تدبير الشأن العام أن تنتصر فعلاً لأولويات الفقر، بدل الاستمرار في إنتاج “صفقات الواجهة” التي تنتهي عند حدود الصور والبلاغات؟

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.