زواج القاصرات: تراجع ملحوظ مع استمرار التحديات في الوسط القروي

0

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

تشير أحدث المعطيات الرسمية الصادرة عن وزارة العدل إلى تراجع كبير في عدد زواج القاصرات المصادق عليها قضائياً، إذ انخفض الرقم من أكثر من 26 ألف حالة سنة 2017 إلى أقل من 9 آلاف حالة فقط خلال سنة 2024. ورغم هذا الانخفاض اللافت، ما زالت المناطق القروية تسجل أضعاف ما تسجله المدن، ما يعكس عمق الأسباب الاجتماعية والاقتصادية المرتبطة بالظاهرة.

عبد اللطيف وهبي، وزير العدل، أوضح في جواب برلماني أن الأرقام الإجمالية تخفي تفاوتاً صارخاً بين الوسطين الحضري والقروي، مبرزاً أن طلبات الإذن بالزواج في البوادي ما زالت مهيمنة، حيث تجاوزت 15 ألف طلب في 2021 مقابل نحو 6 آلاف في المدن، واستمر الوضع نفسه خلال 2024. الوزير شدد على أن المراجعة المرتقبة لمدونة الأسرة ستنص على سن أدنى للزواج محدد في 18 سنة، مع إتاحة استثناء محدود عند 17 سنة وفق شروط دقيقة، مؤكداً أن التشريع وحده لا يكفي، وأن تغيير العقليات وتحسين ظروف العيش في القرى يبقى ضرورياً.

من جهتها، وصفت ليلى أميلي، رئيسة جمعية “أيادي حرة”، الأرقام الحالية بالمؤلمة، معتبرة أن الاستثناء الذي جاء مع مدونة 2004 تحول مع الوقت إلى قاعدة بسبب غياب الضبط. وأكدت أن الحل يبدأ من ضمان حق الفتيات في التعليم، وتوفير بنيات أساسية كدور الطالبات والنقل المدرسي، مع التشديد على أن الطفولة يجب أن تمتد حتى 18 سنة كاملة، مشيرة إلى أن تفوق نسب الزواج في القرى يعكس هشاشة البنية التحتية وازدواجية المسار التنموي بين المدن والبوادي.

أما غزلان ماموني، رئيسة جمعية “كيف ماما كيف بابا”، فذهبت أبعد من ذلك، معتبرة أن الترخيص القضائي لتزويج القاصر ليس سوى “إذن رسمي بالاعتداء على طفلة”، مشيرة إلى أن القاصر لا تملك القدرة النفسية أو القانونية لتحمل مسؤوليات الزواج. وأكدت أن القوانين نفسها تعترف بالأهلية الكاملة عند سن 18 للتصويت والترشح والتعاقد، مما يتناقض مع السماح بالزواج قبل ذلك، وأضافت أن الخبرة الطبية تشير إلى أن الجاهزية الصحية للحمل والإنجاب قد لا تكتمل قبل 21 سنة، مما يجعل الزواج المبكر خطراً مباشراً على صحة الطفلات ومستقبلهن.

وبينما تختلف المقترحات بين الاقتصار على 18 سنة كحد أدنى أو رفعه إلى 21 سنة، فإن جميع الأصوات الحقوقية تتفق على أن معالجة الظاهرة لا يمكن أن تختزل في النصوص القانونية وحدها، بل تتطلب رؤية شمولية ترتبط بالتعليم، محاربة الفقر، تغيير العقليات، والقطع مع استغلال القاصرات تحت غطاء اجتماعي أو اقتصادي. فالحد من زواج القاصرات ليس مجرد إجراء تشريعي، بل رهان حضاري يعكس مدى احترام المجتمع لحقوق الطفولة وقدرته على ضمان مستقبل أكثر عدلاً وأماناً للفتيات.

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.