تحقيقات نارية تهز بولمان … نفقات غامضة وتفتيش صارم من وزارة الداخلية

0

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

في سابقة تعكس الجدية المتزايدة للدولة في تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، حلت لجنة رفيعة من المفتشية العامة لوزارة الداخلية بشكل مفاجئ بالمجلس الإقليمي لبولمان، بعد تواتر شكايات وتقارير تحدثت عن خروقات واختلالات مالية وإدارية خطيرة مست الشأن المحلي. زيارة تحمل أكثر من دلالة، وتكشف أن زمن الإفلات من الرقابة قد ولّى.

من بين الملفات التي أثارت اهتمام اللجنة بشكل خاص، ملف نفقات المحروقات، الذي تحول إلى قضية رأي عام محلي بسبب الأرقام الصادمة التي تُتداول حوله. فوفق التقديرات الأولية، يُحتمل أن حجم الهدر المالي في هذا الباب تجاوز 200 مليون سنتيم، أي ما يعادل مليوني درهم، في مصاريف تتعلق بالوقود والمازوط، دون أن تقابلها تحركات ميدانية أو خدمات ملموسة على أرض الواقع.

هذا الرقم، بالنسبة لإقليم يعاني من الفقر، العزلة وضعف البنيات التحتية، كفيل بإشعال موجة غضب واسعة. فكيف يمكن لإدارة إقليمية محدودة الموارد أن تستهلك مثل هذه المبالغ الضخمة في الوقود بينما مدارسه متهالكة وطرقه غير معبدة ومستشفياته تعاني الخصاص؟

التحقيقات التي تباشرها لجنة التفتيش من المنتظر أن تغوص في سندات الطلب، فواتير التزود بالمحروقات، وكشوف تتبع الاستهلاك الفعلي للمركبات التابعة للمجلس. كما ستتحقق من مدى مطابقة الكميات المصروفة مع الأنشطة الإدارية والميدانية المسجلة، في محاولة لفك خيوط شبكة يُعتقد أنها راكمت ممارسات غير قانونية لسنوات.

ولا يقف أثر هذه الخروقات عند حد الهدر المالي، بل يمتد إلى حرمان الإقليم من فرص تنموية ثمينة. فالمبلغ المهدور كان كفيلاً بإنجاز مشاريع اجتماعية وتنموية حقيقية: تعبيد الطرقات، تجهيز المدارس، أو دعم القطاع الصحي الذي يعيش وضعاً هشاً. إنها خسارة مزدوجة؛ مالية وتنموية، تعمق الإحباط الشعبي وتكرس الإحساس بعدم الإنصاف.

زيارة المفتشية العامة إلى بولمان جاءت في سياق وطني متصاعد، حيث تتجه الدولة بحزم نحو محاربة الفساد وتخليق الحياة العامة، تنفيذاً للتعليمات الملكية الداعية إلى الشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة. وهي رسالة قوية مفادها أن لا أحد فوق المساءلة، ولا إقليم بمنأى عن أعين الرقابة.

إن ما يحدث اليوم في بولمان يتجاوز كونه مجرد تفتيش إداري، ليشكل اختباراً حقيقياً لإرادة الإصلاح ومصداقية الشعارات المرفوعة حول الحكامة الجيدة. فالمواطن البسيط في هذه المناطق المهمشة لا يطالب بالكثير، فقط أن تُصرف أموال الدولة في مكانها الصحيح، وأن يُحاسَب من يعبث بثقة الناس ومالهم العام.

الأنظار تتجه الآن إلى ما ستخلص إليه تقرير المفتشية العامة، وما ستقرره وزارة الداخلية من إجراءات. وتبقى الآمال معلقة على أن يكون هذا التحقيق نقطة تحول حقيقية، تُنهي زمن الفساد الصامت، وتُعيد لبولمان حقها في التنمية والكرامة.

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.