كشف تقرير حديث أعده المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي معطيات مثيرة وصادمة حول مظاهر الاستعمال المفرط لشبكات التواصل الاجتماعي من طرف الأطفال، سواء على المستوى الوطني، والسلبيات المرصودة في هذا الصدد.
ووفقا لدراسة أجراها المجلس الاقتصادي على 1293 طفلاً وشاباً تتراوح أعمارهم بين 8 و 28 عاما، فإن أن 80 في المائة من الأطفال والشباب في المغرب يستعملون الأنترنت، و 70 في المائة منهم يلجون إلى شبكات التواصل الاجتماعي.
واعتبرت ذات الدراسة أنه على الرغم مما تؤشر عليه هذه المعطيات من ولوج واسع للأطفال إلى الأنترنيت ومن خلالها إلى شبكات التواصل الاجتماعي، فإن الهوة الرقمية ما تزال مطروحة نظرا إلى عدة عوامل متمثلة أساسا في إكراهات مادية أو تقنية تحد من الولوج إلى شبكات الأنترنت وإلى مختلف الأجهزة، وفي غياب أو ضعف التكوين في المجال الرقمي لدى الأطفال و / أو الوالدين / أولياء أمورهم. وتشمل التربية الرقمية التحكم في الأدوات المعلوماتية والتربية على وسائل الإعلام والمهارات المعلوماتية”.
ويرى ذات المجلس أن استعمال التكنولوجيا الرقمية بشكل مفرط وغير ملائم يمكن أن تكون له عواقب وخيمة مؤكدة على الصحة النفسية والجسدية للأطفال. وقد أظهرت دراسات في الموضوع وجود مجموعة من الاضطرابات النفسية والسلوكية الخطيرة الناجمة عن هذه الظاهرة، لا سيما تطور السلوكات الإدمانية والسلوكات العنيفة واضطرابات القلق والانغلاق على الذات والعزلة وإيذاء الذات واضطرابات النوم ومشاكل التركيز والاكتئاب ومحاولات الانتحار والانتحار الفعلي.
واستند التقرير على رصد المركز المغربي للأبحاث المتعددة التقنيات والابتكار التي أقرت أن حوالي 43 في المائة من المستجوبين يهملون حاجياتهم الأساسية كالأكل والنوم بسبب استعمالهم المفرط للتكنولوجيا الرقمية، وأن قرابة 36 في المائة من المشاركين دخلوا في نزاعات مع أسرهم أو أصدقائهم مما يعكس التأثير السلبي للاستعمال المفرط للتكنولوجيا على العلاقات الشخصية، وأن : 42 في المائة من الشباب عرفت نتائجهم الدراسية تراجعا، مما يؤكد على الآثار السلبية لإدمان الشاشات على حصيلة التحصيل الدراسي.
وافترض التقرير الحامل لعنوان “من أجل بيئة رقمية دامجة توفر الحماية للأطفال” أن العواقب الاجتماعية لهذه الاضطرابات تزداد وخامة حيث تلقي بالأطفال والشباب في دوامة من المشاكل كالانقطاع عن الدراسة والهدر المدرسي، ومختلف أشكال الإدمان والهروب من بيت الأسرة والاضطرابات العقلية، والإقصاء الاجتماعي، وحياة التشرد، ووضعية الشباب الذين لا يشتغلون، وليسوا بالمدرسة، ولا يتابعون أي تكوين “شباب وضعية NEET”.
ولخصت التقرير الحديث المخاطر المترتب عن الاستعمال المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي من قبل الأطفال في التعرض لمحتويات غير لائقة متطرفة أو عنيفة أو دموية أو عنصرية أو جنسية وإباحية، أو لمحتويات تمت معالجتها بواسطة الخوارزميات لأغراض التلاعب بالمعلومات، كما يتعرضون الاستغلال والانتهاك التحريض على إيذاء الذات والانتحار، إضافة إلى التشجيع على التحريض على الكراهية والعنصرية والتمييز والتطرف.
العنف السيبراني والتحرش الالكتروني هو الآخر من المخاطر الكبيرة المهددة للأطفال، حيث يهدف هذا النوع لإثارة الخوف أو الانزعاج أو العار لدى الأشخاص المستهدفين، وذلك عن طريق نشر صور خاصة دون موافقة المعني بالأمر، بهدف الإهانة أو الابتزاز أو التخويف، حيث 2023، تلقت منصة فضاء مغرب الثقة السيبرانية 1745 تبليغا، 1647 منها يتعلق بالمحتوى المنشور على شبكات التواصل الاجتماعي و 98 يتعلق بصور وفيديوهات اعتداءات جنسية ضد الأطفال عبر الأنترنت.
وفي خصوص موقف الأباء من المخاطر المهددة لأبنائهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أشار تقرير رضا الشامي أن الاجتماعي، لتبنى الوالدان مواقف مختلفة تتراوح بين المراقبة المباشرة على الأجهزة (9) من أصل 10 تقريبا إلى استخدام أدوات رقمية متنوعة للرقابة. ويظل اللجوء إلى آليات الرقابة الرقمية هامشيا، حيث لا تعتبر الكلفة السنوية لهذه الخدمة (100) درهم سنويا أو 10 دراهم شهريا عائقا أساسيا لاستعمالها، بل يرجح أن يعود الأمر، حسب بعض الفاعلين الذين تم الإنصات إليهم، إلى غياب الوعي لدى الوالدين بالمخاطر المرتبطة باستعمال الأطفال للأنترنت وبعدم إدراكهم بشكل كاف لمزايا هذه الحلول الرقمية.
وفي هذا الصدد أوصى التقرير لمواجهة هذه المخاطر عبر ملاءمة الإطار القانوني الوطني مع المعايير الدولية المتعلقة بحقوق الطفل، لا سيما بما يواكب الديناميات المطردة للبيئة الرقمية، وبتحديد سن الرشد الرقمي، أي إرساء السن التي يمكن للطفل الولوج فيها إلى شبكات التواصل الاجتماعي، مع اتخاذ تدابير تقييدية للمنصات، واستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي للكشف بشكل استباقي عن المحتويات غير المناسبة، وتحليل السلوكيات المحفوفة بالمخاطر، وملاءمة رقابة الوالدين بشكل شخصي. إضافة إلى إدماج التربية الرقمية في المناهج الدراسية منذ سن مبكرة، مع التركيز على تطوير الروح النقدية والتحقق من المعلومات وموازاة مع ذلك تحسيس منتجي المعلومات بالمسؤولية الملقاة على عاتقهم بخصوص مكافحة الأخبار الزائفة