في سنة 2013، رأى الشاب الكولومبي “ديفيد فيليز” أن النظام المصرفي في البرازيل يشوبه الكثير من البيروقراطية، ما قد يؤدي إلى البطء في تنفيذ المعاملات بجانب زيادة التكلفة على العملاء.
وشرع منذ ذلك التاريخ في تأسيس بنك رقمي بمجموعة متنوعة من المنتجات المالية، والخالية من عيوب المصارف التقليدية، وبدون رسوم تقريبًا، ليحصل بعدها على الدعم من المستثمرين الأثرياء حول العالم.
ويعتبر “نوبنك – Nubank” في الوقت الحالي واحدًا من أكبر الأعمال من حيث القيمة السوقية في أمريكا اللاتينية، بحوالي 100 مليون عميل في جميع أنحاء البرازيل والمكسيك وكولومبيا.
كيف بدأت القصة؟
وُلد “ديفيد فيليز” في كولومبيا عام 1981 وكان معظم أعمامه الأحد عشر من رواد الأعمال، وقامت عصابات تجارة المخدرات وقتها باختطاف أحدهم، وتم إنقاذه فيما بعد.
انتقل بعدها “فيليز” عندما بلغ التاسعة من عمره مع والديه وشقيقتيه (وكلتاهما الآن من رواد الأعمال) إلى كوستاريكا، ونجح والده هناك في تشييد مصنع لأزرار الملابس، والتحق بعدها بمدرسة إعدادية محلية باللغة الألمانية، وتخرج بتفوق.
والتحق بجامعة ستانفورد بالولايات المتحدة، حيث تخصص في الهندسة وكان يتوق للانضمام إلى عالم الشركات الناشئة في وادي السيلكون، وحصل على وظيفة في مجال الخدمات المصرفية الاستثمارية لدى “مورجان ستانلي“.
وانضم بعدها إلى شركة الأسهم الخاصة “جنرال أتلانتيك” لضخ استثمارات ضخمة في أمريكا الجنوبية، لكنه عاد في عام 2010 إلى جامعة ستانفورد للحصول على درجة الماجستير في إدارة الأعمال، وكان يأمل أن يتمكن من تطوير مفهوم للشركات الناشئة الخاصة.
وانتقل وهو في سن 43 عامًا إلى البرازيل للعمل مع شركة “سيكويا“، ولكن سرعان ما سحبت الشركة استثماراتها بسبب ضعف عروض التمويل المقدمة من رواد الأعمال.
بالإضافة إلى الإحباط الذي أصاب المستثمرين عندما سمعوا أن جامعة ساو باولو المصنفة في المرتبة الأولى في البلاد لم تخرج سوى 42 طالبًا في علوم الكمبيوتر خلال العام الدراسي.
استغلال الفجوة
رأي “فيليز” أن الضعف التقني الذي تمر به البرازيل فرصة لأخذ مكانة جيدة في أحد مجالات التكنولوجيا في البلد البالغ تعداده 200 مليون نسمة، ونظر بالتحديد إلى المجال المالي باعتبار أن العمليات المصرفية هناك يشوبها البيروقراطية والرسوم المرتفعة.
في ذلك الوقت، كانت خمسة بنوك فقط تسيطر على 80% من السوق البرازيلية، وتحقق عائدات ضخمة بفضل الإقراض بأسعار فائدة عالية وفرض رسوم باهظة، فضلًا عن تقديم خدمة رديئة للعملاء.
وتعاون في البداية مع “كريستينا جونكويرا” المديرة التنفيذية السابقة في بنك “إيتاو يونيبانكو“، وعالم الكمبيوتر “إدوارد ويبل”، لإطلاق ما يُسمى “نوبنك“، باعتباره مؤسسة مالية رقمية بالكامل هدفها توفير تجربة أكثر انسيابية وسهولة في الاستخدام من المصارف التقليدية.
بدأت رحلة البنك بإطلاق بطاقة ائتمان بدون رسوم، ويمكن إدارتها بالكامل من خلال تطبيقات الجوال، وهو منتج ثوري في سوق كانت البنوك التقليدية فيه معروفة برسومها المرتفعة وعملياتها المعقدة.
مع مرور الوقت، وسع المصرف الرقمي من خدماته المالية لتلبية مجموعة واسعة من الاحتياجات المالية، ونجح في إطلاق خدمات مثل حساب الدفع الرقمي وخيارات القروض المرنة.
رحلة الـ 100 مليون عميل
ارتفع عدد عملاء “نوبنك” في سنة 2016 إلى مليون عميل، ونجح في إغلاق جولة تمويل بقيمة 80 مليون دولار بقيادة شركة رأس المال المغامر “يوري ميلنر“، ليحصل بعدها على رخصة لمزاولة الأعمال المصرفية في البرازيل، ما مكنه من إطلاق منتجات مالية جديدة.
و كانت جائحة كورونا في عام 2019 بمثابة نقطة الانطلاق للمصرف، حيث نمت أعماله بشكل كبير بفضل الخدمات المصرفية التي يقدمها عبر تطبيق الجوال وموقع الويب، لتتضاعف إيراداته إلى 963 مليون دولار في ذلك العام، بينما تقلصت الخسائر إلى 44 مليون دولار.
و توسعت أعمال المصرف في العام ذاته في الأرجنتين والمكسيك، وكولومبيا فيما بعد، ليصل إجمالي عدد العملاء إلى 99.3 مليون عميل حتى الربع الأول عام 2024، ونجح في جذب العديد من المستثمرين البارزين، بما في ذلك “وارن بافت“.
– لا يزال “فيليز” الرئيس التنفيذي للمصرف، ويحتفظ بحصة تبلغ 23% تقدرها “فوربس” بنحو 5.2 مليار دولار، لتبلغ إجمالي ثروة عائلته نحو 13.5 مليار دولار.
المصدر/ ارقام