الأسد الإفريقي 2025: تمرين ميداني يعكس تطور الشراكة العسكرية المغربية الأمريكية وتعزيز الجاهزية في بيئات قتالية متعددة
شهد مصب واد درعة شمال مدينة طانطان، بالصحراء المغربية، المرحلة الختامية من مناورات الأسد الإفريقي 2025، التي تُعد من بين أكبر التمارين العسكرية المشتركة بإفريقيا، بتنظيم مشترك بين القوات المسلحة الملكية المغربية ونظيرتها الأمريكية، وبمشاركة شركاء دوليين من بينهم دول أعضاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو).
وجرى تنفيذ هذه المناورات، التي تحاكي سيناريوهات حرب شاملة برًا وجوًا، تحت الإشراف المباشر للفريق أول محمد بريظ، المفتش العام للقوات المسلحة الملكية وقائد المنطقة الجنوبية، والجنرال مايكل لانغلي، قائد القيادة الأمريكية لإفريقيا (أفريكوم).
تأتي هذه التدريبات تنفيذًا للتعليمات السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، القائد الأعلى ورئيس أركان الحرب العامة للقوات المسلحة الملكية، في إطار تعزيز قدرات القوات المغربية على مستوى التخطيط والتنسيق والجاهزية القتالية، وتطوير قابليتها للعمل المشترك ضمن بيئات متعددة الجنسيات.
وشهد التمرين تنفيذ عمليات معقدة تمثلت في التنسيق بين وحدات برية وجوية، من ضمنها قصف أهداف افتراضية بواسطة طائرات F-16 التابعة للقوات الملكية الجوية، وتدمير محطة رادار عدو افتراضي عبر وحدات من القوات الخاصة. كما استُخدمت بطاريات HIMARS أمريكية ومدفعية M109 A5 مغربية لاستهداف مواقع العدو في العمق، تمهيدًا لتوغل آمن تنفذه وحدات المشاة المدرعة مدعومة بعربات “أبرامز” ومركبات نقل الجنود.
وفي إطار المهام اللوجستية، تم تنفيذ عمليات إجلاء طبي ميداني باستخدام مروحيات “بوما”، إلى جانب إخلاء وقطر العربات القتالية المتضررة لإعادة تأهيلها، ما يعكس البعد العملي للتمرين في بيئة تحاكي الواقع العملياتي المعاصر.
وفي كلمته الختامية، أشار الجنرال مايكل لانغلي إلى أن تمرين “الأسد الإفريقي” يُمثّل نموذجًا ناجحًا للشراكة الاستراتيجية بين القوات الأمريكية والمغربية، مضيفًا أن النسخة الـ21 تسهم في تعزيز التكامل بين القوات في مواجهة التهديدات المتزايدة بمنطقة الساحل.
من جانبه، عبّر العميد محمد القيسي، نائب قائد التمرين المشترك، عن ارتياحه لنجاح النسخة الحالية، مؤكّدًا أن التنسيق الوثيق مع شركاء المغرب من القيادة الأمريكية لإفريقيا (أفريكوم) وقيادة القوات الأمريكية في جنوب أوروبا (SETAF-AF) شكل حجر الزاوية في تحقيق أهداف هذا التمرين.
وعلى المستوى العملياتي، أكد المقدم يونس بنعياد أن هذه النسخة عرفت ولأول مرة دمج عمليات قامت بها وحدات القوات الخاصة وقوات الرد السريع ضمن سيناريوهات محاكاة كلاسيكية، بينما أشار المقدم عبدالسلام زنان إلى أهمية التمارين اللوجستية المشتركة، خاصة فيما يتعلق بالإخلاء الطبي والتقني. أما الرائد جواد سافو، فأبرز القيمة المهنية المضافة التي حققتها مشاركته ضمن خلية القيادة والتخطيط الميداني.
وكان تمرين “الأسد الإفريقي 2025” قد انطلق يوم 12 ماي الجاري من مقر أركان الحرب بالمنطقة الجنوبية في أكادير، وتوزعت فعالياته على عدد من المواقع الاستراتيجية بالمملكة، شملت مدن أكادير، تزنيت، القنيطرة، بنجرير، تيفنيت، وطبعًا طانطان، بمشاركة أكثر من 10 آلاف عنصر يمثلون جيوشًا من مختلف الدول.
وعلاوة على التمارين العسكرية، تضمنت النسخة الحالية أنشطة موازية ذات بعد إنساني واجتماعي، من بينها إقامة مستشفى ميداني جراحي في الجماعة الترابية أنزي (إقليم تزنيت)، يعكس البعد الإنساني الذي يرافق الجانب العملياتي لهذا التمرين.
وتأتي هذه التدريبات في سياق تطورات جيواستراتيجية متسارعة، تهدف إلى دعم الأمن والاستقرار الإقليميين، وتعزيز قابلية التحرك والتدخل السريع لمواجهة التهديدات في منطقة الساحل وشمال إفريقيا. ويؤكد تمرين “الأسد الإفريقي” مرة أخرى عمق الشراكة الدفاعية المغربية الأمريكية، واستمراريتها كخيار استراتيجي في ظل التحديات الأمنية المتزايدة.