توظيف الفهم غير الصحيح لمقتضيات الدستور في علاقته بالمحاسبة والمساؤلة والمطالبة بمغادرة بعض السئولين لموقعهم التدبيري للشأن الجهوي، باعتماد تفسيرات وتأويلات تتجاوز منطوق النص الدستوري المحدد لكيفيات المساؤلة ومن ثمة العزل، على ضوء استنباط أحكام تنتفي عنها صفة الوجوب والإلزام الدستوري، لفقدانها لمسوغات تمهد لتنفيذ المطالب التي لا تستند على الموضوعية، وتفتقر بالتالي إلى اشتراطات التطبيق القانوني لمحتوى الدستور ولمنطوق الفصول المستشهد بها في نازلة لايمكن تأطيرها إلا في إطار “الضغط” أو السعي نحو اغتنام فرصة تقريض المسافة بين المشتكين/ المطالبين ورجال السلطة المستهدفين.
فبماذا يمكن أن توصف مبادرة بعض الأشخاص المطالبة برحيل والي جهة مراكش- آسفي، عبد الفتاح البيجيوي، ووالي أمن مراكش، سعيد العلوة، إذا لم يكن الأمر يتعلق بمظنة تحاول تكبيل يد المسئولين ومنعهما من متابعة ما تقتضيه مسئولية تدبير الشأن الجهوي بالمدينة، ذلك أن هناك ملفات مستعصية قد تجعل الرجلين أمام أمر يستوجب اتخاذ قرار في مستوى مسئوليتهما؟
واعتبارا لصيرورة الأحداث والسياق الذي جاءت فيه المطالبة برحيل المسئولين، يتبدى أن المطالبة أخذت طريقا كيديا يراد به لي دراع رجال السلطة حتى لا ينخرطوا في مسلسل إجراءات وفي أجرأة القوانين الموجهة للتدبير الولائي إلى وجهته الصحيحة ما يؤكد انزلاقات بعض الجمعيات في متاهة صراع غير معروف النتائج أصلا، في ما يخص تعمد الإساءة إلى رمزين من رموز المدينة، وهو ما يسجل معه أولا: أن الدعوة إلى رحيل المسئولين تغيب الإدراك العميق للمدلول القانوني الحق للنص الدستوري، المستشهدبه، وثانيا: أن تنصيص الدستور على المساؤلة لا يعني فتح وإتاحة باب التأويل في من لا علاقة بالمنظومة القانونية وفقه الدستور، وثالثا: أن الدستور أوصى بإشراك المجتمع المدني إشراكا احترازيا واقتراحيا غير ملزم بالتفعيل، وإنما باستدعاء حضور التدرج وعدم التعصيد وتجاوز السقف المخول دستوريا للجمعيات التي لا تتمتع بالصفة النفعية العامة، التي تجعل من الأخيرة مخاطبا قويا أمام السلطات وأمام الدفع بالإقتراحات إلى مجال التنفيذ، وهو ما يتنتفي في موضوع الدعوة إلى رحيل المسئولين، ثم رابعا: أن الركوب على النص الدستوري من خلال الفهم الشخصي/ الفرداني، يحول العملية برمتها إلى مشاكسة لن تفضي بالضبط إلا إلى إفشال مشروع أصحابها، خامسا وأخيرا، أن دور المجتمع المدني لا يكتسب شرعيته إلا بتكاثف جميع مكونات المجتمع، وهو ما يتنافى مع الحالمين بتعميق الشروخ بين المواطن وبين من يحمونه في مجريات حياته وفي أمنه الخاص والعام، ما يجعل من الموقف تجاوزا خطيرا، صادرا من جمعيات لا ترق بالعمل الجمعوي إلى مدارج التناول السياسي الفعلي والتدبير الحقيقي الذي وحده يخول لأية جمعية أن تلقي بدلوها في المطالبة بأمور عظيمة تفتقر على الإحساس بخطورتها وتداعياتها على مكونات المجتمع المدني بمراكش.
فالإستناد إلى عدم حضور المسئولين لفعاليات النشاط الذي أقامته مشكورة الجمعيات المطالبة برحيلهما، لا يرق إلى مستوى المطالبة بالرحيل، فالدولة تخضع إلى نظام يسعى إلى التوفيق لا إلى التفريق، وإلى الإئتلاف لا إلى الإختلاف، وإلى الصفح لا إلى الصفع، فإدراك هذه الحقيقة يغني الكثيرين من مغبة الوقوع في المحظور ويجنبهم متاهة الإستغوار في مستنقعات مشاكل بلا حدود، ورزايا بلا حلول، وهو ما انتبهت إليه بعض الجمعيات التي رأت في الأمر من خلال إصدار بيان في الموضوع، يستنكر موقف الجمعيات المناقضة على أساس عدم الحضور المتخذ دريعة واهية للمطالبة بمعاقبة المسئولين، وشددت فيه على المساندة غير المشروطة للرجلين، على اعتبار سند المطالبة لا يمثل جناية أو جريرة أو جريمة أو مظنة تستحق إثارة الزوبعة في الفنجان.