عادة ما يقع السياح في غرام الدول التي يزورونها سياحاً، فيشترون بيوتاً أو يعودون إليها كل عام، لكن عندما زارت الأميركية كايتلين دوي-ساندز وزوجها صامويل مراكش لم يقويا على المغادرة، وحوّلا شغفهما بالعمارة المحلية إلى مصنع للبلاط يصدِّر سحر المغرب للعالم أجمع.
انتقلت كايتلين وصامويل إلى مراكش منذ 12 عاماً، وأقاما في منزل يعود للقرن الثامن عشر، ولا يمكن الوصول إليه إلا عبر مسجد.
تقول كايتلين لصحيفة «The Observer«: «أردنا العيش في وسط المدينة. شعرنا وكأنها المكان الأنسب لتجربة مراكش الحقيقية». يلاصق باب منزلهما المزين بالمسامير رواق الصلاة. وقبيل فجر كل صباح، يوقظهم صوت المؤذن وهو ينادي للصلاة. «كان منزلاً مميزاً له روح حقيقية، لكن إذا كنت تعيش وسط المدينة فستحتاج إلى متنفس من جنون السوق»، على حد تعبيرها.
وبينما كان الزوجان يعملان على ترميم منزلهما الأول، إذ «يخففان من أنماط التصاميم والألوان»، بدأت تظهر إلى السطح فكرة مشروع جديد ومعها حياة جديدة تماماً.
«كنَّا في منتصف العمر فقرَّرنا خوض تجربة جديدة»
انتقل الزوجان إلى مراكش قادمين من ولاية لوس أنجلوس الأميركية عام 2006 في إجازة لمدة عام. علَّقت كايتلين: «كنَّا في منتصف العمر وفي منتصف حياتنا المهنية؛ لذا فكّرنا أنه من الضروري أنَّ نخوض تجربةً جديدة».
كانت كايتلين تعمل في مجال العلاقات العامة، بينما كان صامويل يعمل في صناعة الأفلام. أقرَّت كايتلين: «كان قرار الانتقال لمراكش عفوياً بعض الشيء»، إذ لم يسافر أيٌّ منهما إليها من قبل، لكنهما كانا يتحدثان الفرنسية ومعجَبَين بالأطباق والتصاميم المغربية.
على بعد دقائق معامل بلاط مغربية صغيرة شكَّلت مصدر الإلهام
وبينما كانا يرمِّمان منزلهما ذا اللون الواحد في وسط المدينة، عصفت بذهنهما فكرة مشروع جديد. كان المنزل يقع على مسيرة خمس دقائق من 4 معامل صغيرة لصناعة القرميد، حيث رأى الزوجان عن قرب كيف تُصنَع البلاطات الإسمنتية التقليدية. قالا: «نحن نحب التصاميم الكلاسيكية الغنية -فهذا ما جذبنا إلى الانتقال إلى المغرب في المقام الأول- لكننا بدأنا نفكر أنه ربما يكون هناك مكان لشيءٍ أبسط وأكثر عصرية». وأطلقا مشروع Popham Design خلال السنة الأولى التي قضياها بالخارج.
فأنشآ مصنعاً يعتمد على عمال محليين مهرة
وتبيع شركة Popham Design بلاطات إسمنتية يدوية الصنع في أنحاء العالم، وتُوظِّف 80 عاملاً. ويقع المصنع خارج المدينة مباشرة، على الطريق المؤدية إلى جبال أطلس. ليس هناك خط إنتاج للشركة: إذ تُصنَع كل بلاطة إسمنتية بأيدي حرفيين مهرة. ويرسم الزوجان التصاميم بأنفسهما ويكون لديهما تصور حول كيف ستُرتَّب التصاميم داخلياً (كيف سيتكرر النمط في الموقع).
قول كايتلين: «لم يعمل أي منا بالتصميم، لكن هذا المكان يلهمنا كثيراً. أعتقد أننا دائماً ما نقول إنَّ السفر يلهمنا، لكن الأمر ينطوي على أكثر من هذا، إذ يذهب عقلك إلى مكانٍ مختلف حين تسافر. تصبح لديك الحرية والبهجة للتفكير في التصميم».
استلهما التصاميم من ضوء شاطئ الوليدية
يتسم منهجهما في التصميم بالفقاعات السداسية، واستلهما فكرة التصاميم السداسية الممزوجة في دوائر غير منتظمة من يوم قَضَياه على شاطئ الوليدية، حين رأت كايتلين ابنة صديقتها وهي تصنع فقاعات.
وتسترجع ذلك اليوم قائلة: «كانت لحظة ساحرة. هناك سحر يتعلق بالتقاط ضوء شمال إفريقيا بفقاعة في السماء». وفي مجموعة تصاميمها بأكملها، يختزل الزوجان الطبيعة والضوء والأنماط والظلال في أشكال هندسية أساسية، لكن حساً فكاهياً يسود التصاميم، وهو مناخ يبدو جلياً أيضاً في آخر بيت أقام به الزوجان في غليز، وهو حي صمَّمه وبناه الفرنسيون في أوائل القرن العشرين.
والآن يعيشان في منزل من حقبة الخمسينات
وفي عام 2013، مع تولِّي الزوجين مسؤولية إدارة مصنع وتربية ابنتهما جورجينا (التي تبلغ من العمر الآن 8 أعوام)، والعناية بكلب لابرادور أسود، قرَّرَ الزوجان الانتقال للعيش خارج المدينة. تقول كايتلين: «حين جئنا للعيش هنا، كانت مغامرة ومحاولة للمرح. ولكن حين أصبحت هذه حياتنا صار لدينا مزيدٌ من الالتزامات».
واستقرَّت العائلة في منزل عائلي منفصل مكون من 3 غرف، يعود لفترة الخمسينات، وهو منزل يصعب العثور على مثيله في ظل التطور السريع الذي تمر به المنطقة. وعلى عكس منزلهم في المدينة، يكتسي هذا البيت الناصع باللونين الأزرق والرمادي الهادئين. وتخلق الإضاءات القوية والأثاث الأوروبي العتيق، والحيوانات المحنطة، وقطع الأثاث النحاسية المميزة، نمطاً معمارياً تركيبياً مرحاً.
ويقدمان للعالم عينة من سحر الشرق في بلاطة
تقر كايتلين: «نحن لا نخشى التميز بنمط معين. وقد حاولنا استخدام البلاط بطرق غير تقليدية هنا». فأرضيات المنزل لها تصميم موحد من البلاطات نصف السداسية المطولة (Demi Hex Long)، التي تمتد من المدخل مروراً بغرفتي المعيشة والطعام وحتى المرحاض.
وتوضح قائلة: «نمط التصميم ليس حاداً جداً. فقد أبقينا على نفس درجة الأزرق على أحد الجوانب بطول البلاطات، وتَلاعَبنا بالألوان الأخرى بصورةٍ عشوائية. هذا يعطي الأرضية حركة لطيفة، فلن تقع عيناك على أي نمطٍ ثابت».
وفي غرفة الطعام، تملأ البلاطات ذات رسمة الخنفساء الحوائط، بديلاً عن ورق الحائط. وفي غرفة النوم الرئيسية، تضفي السجاجيد اليدوية من صناعة قبيلة بني وراين لمسة أنعم على الأرض الحجرية، وتغطي البلاطات صدر المدفأة ولوح السرير الأمامي.
وفي المطبخ، تكسو الأرضية والحوائط بلاطات ذات تصميم Hex Target، ثم تنتهي فوق حافة النافذة في إطار غير منتظم. وتقول كايتلين: «أحب الأشكال السداسية، وهذا التنفيذ يبرز شكلها حقاً، إذ ليس من الضروري أنَّ تُقطَع بحواف مربعة».
وتتابع: «الأساس في مجموعتنا هو أنَّ الناس يمكنهم التلاعب بها. فليست هناك طريقة صحيحة تُثبَت بها. ليست هناك طريقة صحيحة لتثبيت أي منها. هناك احتمالات لا نهائية».
*المصدر: عربي بوست