كشفت مذكرة استعجالية للرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات، ادريس جطو، حول تنفيذ النفقات العمومية بواسطة سندات الطلب، عدة تلاعبات واختلالات ومجموعة من النقائص التي تطال مسطرة تنفيذ النفقات العمومية بواسطة سندات الطلب، سواء على مستوى انتقاء المتنافسين أو على مستوى التنفيذ.
وأوردت المذكرة أنه على مستوى انتقاء المتنافسين في هذا الإطار، لاحظ المجلس عدم إعمال منافسة حقيقية، إذ أنه بمعظم الإدارات العمومية التي خضعت للتدقيق، يتم تكليف نفس المقاول أو المورد (المتعاقد معه) بتقديم “بيانات أثمان مجاملة” صادرة، في الظاهر، عن متنافسين آخرين.
واعتبر المجلس أن السبب يرجع “في عدم إعمال المنافسة بشكل حقيقي وإلى غياب أو ضعف نظام المراقبة الداخلية بشأن مسطرة تنفيذ النفقات بواسطة سندات الطلب”، مضيفا أنه في هذا الصدد، لاحظ المجلس غياب لجنة يعهد إليها بعملية الانتقاء واختيار المتنافسين والسهر على مراقبة صحة الاستلام ومطابقة الخدمات أو المقتنيات للمواصفات التقنية والكميات المتعاقد بشأنها”.
ولاحظ المجلس أن لجوء الإدارات إلى المنافسة في إطار مسطرة تنفيذ النفقات بواسطة سندات الطلب لا يتم دائما وفق الشروط والشكليات المطلوبة، والتي من شأنها أن تضمن للإدارة إمكانية الحصول على الجودة المرجوة وبالكلفة المناسبة”.
وأضافت المذكرة أن الإدلاء ببيانات أثمان مضادة، في إطار مسطرة سندات الطلب، “لا يعدو، في أغلب الحالات، أن يكون مجرد إجراء شكلي لا يتحقق معه لا تكافؤ الفرص ولا المنافسة المنشودة، إذ لوحظ من خلال عمليات التدقيق أن الطلبيات العمومية تقتصر على فئة محدودة من الموردين أو المقاولين، مما يترتب عنه نتائج سلبية على مستوى الجودة والاقتصاد”.
ولاحظ المجلس أيضا “أن معظم المصالح الآمرة بالصرف لا تصدر سندات الطلب إلا بعد إنجاز الخدمة موضوع الطلبية، أو من أجل تسوية نفقة كان مبلغها الأصلي يتجاوز الحد الأقصى المسموح به قانونا”.
وسجل المجلس فيما يتعلق بالبنود التعاقدية لسندات الطلب، “عدم تفعيل مقتضيات المادة 88 من المرسوم رقم 349.12.2 المتعلق بالصفقات العمومية، إذ لوحظ غياب آلية تضمن الصرامة في ضبط وتحديد الشروط الشكلية والجوهرية لبنود وبيانات سندات الطلب المتعاقد بموجبها كتحديد آجال تسليم المقتنيات أو تنفيذ الخدمات، بالإضافة إلى غياب آلية للتأكد من أن البنود والبيانات المضمنة بسندات الطلب تعكس فعلا المقاييس والمواصفات التي تكون الإدارة قد وضعتها لتلبية حاجياتها، وأن هذه السندات توفر كافة الضمانات لحفظ وحماية حقوق ومصالح الجهاز العمومي المعني في حال إخلال الأطراف الأخرى بالتزاماتها التعاقدية والقانونية”.
وكشف المجلس أنه فيما يتعلق بتجزيئ النفقات لتنفيذها بواسطة سندات الطلب في هذا الباب، “ثبت للمجلس تواتر ممارسة غير مشروعة تتمثل في تشطير النفقات على مراحل من أجل تفادي تنفيذها عن طريق طلبات عروض وإخضاعها لمسطرة سندات الطلب، حتى وإن لم تجتمع الشروط التي تسمح باللجوء إلى هذه المسطرة والمتمثلة أساسا في وجود ضرورة ملحة لتلبية حاجيات آنية وضرورية وذات طبيعة خاصة لا تتحمل آجال مساطر طلبات العروض، على ألا يتجاوز مبلغ النفقة موضوع سند الطلب 000.200 درهم كحد أقصى”.
واعتبر المجلس أن هذه الممارسات “تشكل انحرافا عن الضوابط القانونية الجاري بها العمل في مجال الصفقات العمومية، كما أنها تنطوي على مخاطر أخرى تتمثل في إمكانية نشوء أفعال يجرمها القانون، علاوة على كونها تمس بمبادئ الشفافية والمنافسة والمساواة في الحصول على الطلبيات العمومية”.
وحسب مذكرة المجلس فيتعين إعادة النظر في نمط تنفيذ النفقات بواسطة سندات الطلب بإعمال منافسة حقيقية، ووضع نظام فعال للمراقبة الداخلية من شأنه الحد من الممارسات المذكورة وسد الثغرات التي تطال سالمة عمليات تنفيذ النفقات بواسطة سندات الطلب، للحيلولة دون وقوع أو تكرار أو تفاقم هذه الممارسات على مستوى مختلف المصالح العمومية”.
وطالب المجلس من الإدارات العمومية “الحرص على تحقق قواعد المنافسة لضمان سلامة العمليات المنجزة بواسطة سندات الطلب، وذلك بتجاوز التفسير الضيق للمقتضى التنظيمي الوارد بهذا الخصوص، والذي لا يجب أن يفهم منه أن إعمال المنافسة مجرد إمكانية وأنها ليست شرطا لازما في مجال الطلبيات العمومية”.
كما طالب المجلس بـ”العمل على تحقيق المزيد من الصرامة والشفافية في تحديد البنود التعاقدية المتعلقة بالآجال والكميات والجودة، وذلك من أجل حماية مصالح الإدارة اتجاه الأطراف المتعاقد معها”.
وأكد على ضرورة “إحداث لجنة يعهد إليها بالسهر على عملية الانتقاء والإشهاد على تسليم الخدمات أو التوريدات وفق المواصفات والجودة والكميات المطلوبة”، وكذلك “وضع بنك للأثمان يتم تحيينه بشكل دوري، بحيث يمكن للإدارة، في كل مرة، أن تعود إليه من أجل إجراء المقارنة اللازمة بين الأثمان المقترحة وتلك المتداولة، وذلك قصد التحقق من أن الأثمنة المقترحة من طرف المتنافسين مناسبة وجدية”.
وتأتي هذه المذكرة في إطار تدقيق حسابات الخزنة اإلقليميين عمال بمقتضيات المادة 25 وما يليها من القانون رقم 99. 62 المتعلق بمدونة المحاكم المالية، وتندرج ضمن التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات برسم سنتي 2016-2017، بحيث أنجز المجلس الأعلى للحسابات اثنتي وثلاثين (32) مهمة رقابية في ميادين مراقبة تسيير الأجهزة العمومية وتقييم البرامج العمومية ومراقبة استخدام الأموال العمومية، كما أصدرت غرف المجلس 588 قرارا قضائيا فيما يخص مادة التدقيق والبت في الحسابات و 60 قرارا في ميدان التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية. هذا في الوقت الذي أحال الوكيل العام للملك لدى المجلس الأعلى للحسابات أربعة (4) قضايا تتعلق بأفعال قد تستوجب عقوبة جنائية على وزير العدل.
أما أهم إنجازات المجالس الجهوية للحسابات، فيمكن تلخيصها في تنفيذ 128 مهمة رقابية تندرج في إطار مراقبة التسيير على مستوى بعض الجماعات الترابية والمؤسسات العمومية المحلية، وكذا بعض شركات التدبير المفوض. هذا بالإضافة إلى إصدار 2089 حكما نهائيا في مادة التدقيق والبت في الحسابات و 155 حكما في ميدان التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية.
كما واصلت المحاكم المالية عملية تلقي التصريحات الإجبارية بالممتلكات، حيث تلقت خلال سنتي 2016 و 2017 ما مجموعه 67.552 ، منها 61396 على مستوى المجالس الجهوية، ليصل بذلك العدد الإجمالي للتصريحات التي تلقتها المحاكم المالية منذ سنة 2010 ما مجموعه 22.026 تصريحا.