لفت نظر المراقبين الدوليين وكل المواطنين الإجراءات الاستباقية التي أعلن عليها جلالة الملك من أجل محاصرة انتشار وباء” COVID 19 “, وبادرت الحكومة الى وضع تلك الإجراءات موضع التنفيذ بكل استعجال, وتلقاها المواطنون المحبون لبلدهم, ليس فقط , بالارتياح وإنما بالانضباط لها في التطبيق الصارم.
تلك الإجراءات التي بدأت بإقفال المجال الجوي و إقفال الحدود وإغلاق المدارس وتعليق الجلسات في المحاكم , بل وحتى ايقاف الصلوات الجماعية في المساجد, استشعارا بمدى الخطر الداهم لهذا الوباء. وانتهاء بإعلان الحصار الصحي والذي استدعي له كل قوات الدولة من أمن وغيره للمساعدة في إعماله من اجل ضمان حماية كاملة لحياة المواطنين.
هذا النوع من الإجراءات , بل وغيرها مما قد يستدعيه تطور هذا الوباء, والتي يجب على الجميع ان يساعد في انجاحها بالامتثال لها في التطبيق , لكي نصل جميعا الى النتائج المتوخاة منها في اقرب الأوقات, لتعود الحياة اليومية الى سابق عهدها.
تلك الإجراءات التي ما هي إلا بعض مما قامت به دولة الصين مثلا مع مواطنيها, والكل تابع الصرامة بل والقسوة التي اشتغلت بها تلك الدولة هناك. كما تابع الجميع , كذلك , تفهم المواطن الصيني لقساوة تلك الإجراءات. وها نحن نرى نتائج تلك الإجراءات بدأت تظهر في بلاد الصين. ويرى المتابعون أن الأوضاع بدأت تتحسن هناك يوما بعد يوم.
المواطن المغربي الموجود اليوم في منزله والملتزم بتنفيذ تلك الإجراءات الصعبة عليه , التي يفرضها الوضع الحالي. وهو الالتزام الذي نتابعه من خلال شبكات التواصل الاجتماعي لكل المغاربة الوطنيين بطبيعتهم والمحبين لبلدهم والمضحين من أجله. هؤلاء المواطنون لهم التزامات تعاقدية والتزامات قانونية من كل الأصناف: مع الإدارة, مع المؤسسات العمومية, مع البنوك , مع الافراد مثلهم, ومع القانون.
هذه الالتزامات التعاقدية والقانونية تحكمها آجال يجب ان تنفذ في داخلها. ويترتب على عدم تنفيذها داخل تلك الآجال آثار قانونية تبدأ بالتعويض, الى فسخ الالتزامات, الى العقوبات المالية, الى الغرامات ذات الطبيعة الزجرية.
وكما هو معروف لدى المشتغلين بالقانون فإن هنالك نوعين من الآجال : احدمها يسمى التقادم , و هو قابل للتوقف و الانقطاع. والثاني يسمى اجل اسقاط, وغير قابل لا للتوقف ولا للانقطاع. ويجب على المعني به ان ينفذ التزامه داخل الاجل المحدد. ولا يعفيه من تنفيذ أي سبب كيف ما كان ولو طال امده.
ومن المفيد الإشارة الى ما ورد في مذكرة لجنة المالية بالبرلمان المغربي أخيرا من اقتراحاتها قدمتها تلك اللجنة لوزير المالية المغربي لمساعدة المقاولات لتجاوز هذه الازمة وذلك عندما طالبت منه باعتبار هذا الوباء كقوة قاهرة.
الكل يتابع اليوم الإجراءات التي تتخذها الدول الأخرى لمواجهة هذه الوباء. ومنها ما اعلن عنه وزير الاقتصاد و المالية الفرنسي”BRUNO LE MAIRE” عندما استعمل صيغة “La force majeure”, أي القوة القاهرة , كوسيلة ستساعد بها الحكومة الفرنسية المقاولات الفرنسية على تجاوز الازمة الاقتصادية والمالية التي وجدت نفسها فيها بسبب هذا الوباء.
لكن من المفيد الاشارة الى ان المفهوم القانوني للقوة القاهرة في القانون المغربي مختلف عن مفهومه في القانون الفرنسي.
ذلك ان الفصل 1218 من القانون المدني الفرنسي الذي ينظم القوة القاهرة يسمح بـتأجيل الالتزام او بفسخه إذ ينص ذلك الفصل على ما يلي:
• Modifié par Ordonnance n°2016-131 du 10 février 2016 – art. 2″
Il y a force majeure en matière contractuelle lorsqu’un événement échappant au contrôle du débiteur, qui ne pouvait être raisonnablement prévu lors de la conclusion du contrat et dont les effets ne peuvent être évités par des mesures appropriées, empêche l’exécution de son obligation par le débiteur.
Si l’empêchement est temporaire, l’exécution de l’obligation est suspendue à moins que le retard qui en résulterait ne justifie la résolution du contrat. Si l’empêchement est définitif, le contrat est résolu de plein droit et les parties sont libérées de leurs obligations dans les “conditions prévues aux articles 1351 et 1351-1.
بينما مفهوم القوة القاهرة في القانون المغربي يتوقف فقط عند منع المطالبة بالتعويض عندما يتم التأخير في الالتزام. ولا يتعلق لا بتوقيف تنفيذ الالتزام و لا بتأجيله . إذ تنص الفصل 268 من ظهير الالتزامات و العقود على ما يلي: “لا محل للتعويض إذا أثبت المدين أن عدم الوفاء بالالتزام أو التأخير فيه ناشئ عن سبب لا يمكن أن يعزى اليه ,كالقوة القاهرة…..”
بل إن القانون المغربي يمنع القاضي من أن يمنح اجلا او يمدده لفائدة أي ملتزم و في جميع الأحوال. إذ لم يستثن أي حالة من الحالات. ما لم يقبل به جميع اطراف الالتزام او ينص عليه القانون. إذ ورد في لفصل 128 من ظهير الالتزامات والعقود على ما يلي: “لا يسوغ للقاضي أن يمنح أجلا وان ينظر الى ميسرة ما لم يمنح هذا الحق بمقتضى الاتفاق او القانون”
و بالتالي فلا مجال للمقارنة بين الوضع في فرنسا مع الوضع في المغرب , لان اعتبار هذا الوباء كقوة قاهرة في المغرب لن يحل, قانونا , المشاكل الحقيقية التي ستواجه الافراد والشركات في عدم تنفيذ التزاماتهم في علاقاتهم مع بعضهم البعض, أو في علاقتهم مع الإدارة, او في علاقتهم مع القانون. لأنه يوجد دائما للالتزامات طرف آخر له هو كذلك مصالحه المرتبطة بضرورة بتنفيذ تلك الالتزامات في آجالها.
ومن الواقعية القول أن فرضية الاتفاق بين الملتزمين على تمديد آجال التنفيذ غير محققة بل قد تكون غير واردة. بخصوص التزامات مثل أداء دين او تنفيد صفقة او أجل طعن , ففي كل هذه الالتزامات توجد مصالح متعارضة.
والامر لا ينحصر فقط في الوفاء بالديون , بل هناك آجال أخرى ذات طبيعة قانونية لا يتحكم فيها لا الافراد ولا حتى المحكمة, مثل آجال المشاركة في الصفقات العمومية وأجال الطعن في مساطرها وآجال اللجوء الى الهيات المختصة للبت في الخلاف مع الادراة المعنية, و آجال تنفيذ تلك الصفقات. وكذا آجال مساطر صعوبات المقاولة وما تضعه من التزامات على الشركة المعنية بالمسطرة و ما تضعه على مسيريها, وعلى الدائنين وعلى آليات تنفيذ ومتابعة تلك المسطرة مثل السنديك والقاضي المنتدب.
ومثل آجال الطعن في المقررات القضائية على اختلاف أنواعها و آجالها , ومثل آجال سريان الفوائد البنكية او فوائد التأخير في انجاز الصفقات وغيره, وكذا أجال الطعن في مساطر استخلاص الديون العمومية وآجال الطعون الإدارية. وآجال مدونة الشغل في النزاعات بين الاجراء والمشغلين. وباقي الآجال الأخرى ذات الطبيعة القانونية.
كل هذه الآجال لن تمدد ولن تتوقف , قانونا , إلا بنص القانون.
وبما أن تمديد كل تلك الآجال أو توقيفها لا يمكن ان يتم الا بقانون , فان تدخل الحكومة اليوم هو ضروري باعتبارها هي التي تملك سلطة تقديم مشاريع القوانين للبرلمان التصويت عليها لكي تصبح لكل اجراء قوة الالزام أي قوة القانون الملزم للأشخاص الذاتيين والاعتباريين والمؤسسات العمومة. كما ينص على ذلك الفصل 6 من الدستور.
لكن بما أن مسطرة عرض أي قانون على البرلمان هي مسطرة طويلة من حيث الزمن ومعقدة من حيث المساطر, والظروف الحالية لا تسمح بالانتظار. كما سبق بيانه , فإن دستور 2011 احدث الالية الدستورية التي تمكن الحكومة من اصدار قانون في الموضوع الذي نحن بصدد , في اقراب الآجال وذلك عندما نص على الفصل 81 الذي ورد في الفقرة الأولى منه على ما يلي: “يمكن للحكومة أن تصدر , خلال الفترة الفاصلة بين الدورات, وباتفاق من اللجان التي تعنيها الامر في كلا المجلسين مراسم قوانين , يجب عرضها بقصد المصادقة عليه من طرف البرلمان خلال دورته العادية”.
فدستور 2011 استحضر مثل هذا الظروف التي نعيشها اليوم والتي تستلزم تدخلا مستعجلا من الحكومة لمعالجة حالة طارئة والتي تفرض التدخل المستعجل لإصدار قانون لمعالجتها
عن موقع “أحداث أنفو“