بين من يبني ومن يهدم فرق شاسع.. وبين يمد يديه للمصالحة وطي صفحة الخلاف وبين من يرى في الدعوة مناسبة سانحة للركمجة.. بون كبير، أما التاريخ فينصف ذوي القلوب الصافية والنوايا الصادقة ويكنس أصحاب النوايا الخبيثة إلى سلة مهملاته.
لم يدر بخلد المتتبعين أن دعوة الملك محمد السادس لمد الأواصر مع النظام الجزائري ونسيان الماضي، قد تجعله وأبواقه يجنون ويطلقون العنان لأناملهم وألسنتهم لتخط وتنطق بما يندى له الجبين إزاء طاقة فتحها التاريخ بين البلدين لتكون فرصة تلاحم مغربي جزائري في السراء والضراء.
وهبت أبواق إعلامية جزائرية لتشن حملة خبيثة ضد المغرب وانتصاره لعلاقات الأخوة، بعدما آلم مموليها والواقفين وراءها أن الملك محمد السادس كشف أمام العالم أنه قائد حكيم ذو ثبات انفعالي منقطع النظير وهو يرمي بكل الخلافات وراء ظهره ويتطلع لمستقبل مشترك بين البلدين قائم على مبدأ رابح – رابح.
وبدل أن يتلقف بعض الجزائريين اليد الممدودة إليهم من المغرب انصرفوا للتنفيس عن عقد كامنة في نفوسهم وألبسوا دعوة المصالحة ما لا تطيق بوصفها “مناورة” و”خوف” ووووالكثير من الخزعبلات التي تروم تغطية شمس الحقيقة بالغربال.
وليست الحقيقة غير أن الكثير من الجزائريين اكتشفوا أنهم كانوا سذجا مغرر بهم وقد آمنوا لعقود تحت حكم الجنرالات أن المغرب عدو يتربص ببلادهم الدوائر ويقف وراء كل الشرور التي ترتع فيها البلاد.. إذ فطنوا أن العسكر يجعل من الجار المغربي فزاعة تخيفهم تارة وشماعة تعلق عليها تبريرات العسكر للإثراء بدون سبب على ظهر مقدرات البلاد.
لقد انبرى المغرب تحت حكم الملك محمد السادس إلى نقاط الائتلاف بين المغاربة واشقائهم الجزائريين وضرب صفحا عن الاختلاف مؤمنا أنه قد لا يفسد للود قضية وأن الزمن كفيل بتذويبه متى ظهرت نية المصالحة لدى الماسكين بأمور الجزائر.
إن تلكؤ النظام الجزائري عن مراجعة نفسه ومبادرته إلى الرد على الحسنة بالسيئة قد يقتل آمال المتشائلين لكنه يحييها لدى المتفائلين الذين يرون في كل مبادرة مثل مبادرة الملك محمد السادس بارقة تنير رؤيتهم وهم يؤمنون أن دعوة المغرب للتهدئة أقوى من المزايدات التي تناسلت من قبل الراغبين في استمرار الوضع الراهن.
المتفائلون أيضا يتمنون أن لا تستبد الأنانية بمن وجهت إليهم دعوة الملك محمد السادس حتى لا يصدق عليهم مصير من تحدث عنهم “أوتو فون بسمارك” رئيس وزراء بروسيا سابقا وهو يقول “الأنانية تولد الحسد، والحسد يولد البغضاء، والبغضاء تولد الاختلاف، والاختلاف يولد الفرقة، والفرقة تولد الضعف، والضعف يولد الذل، والذل يولد زوال الدولة وزوال النعمة وهلاك الأمة”.
فهل من مذكر؟