يكشف كتاب “مذكرات مستشار للوزير الأول عبد الرحمان اليوسفي، دروس من تجربة التناوب وما بعدها” للأستاذ عبد العزيز النويضي، جوانب خفية من التجربة السياسية المثيرة للجدل لحكومة التناوب التوافقي في مارس 1998 التي لا زالت محطة تقييم واهتمام وجدل بين مختلف الفاعلين والباحثين والأكاديمين والسياسيين، المختلفين حول تقييم أدائها وعطاءاتها وأخطائها.
الكتاب الجديد الصادر عن منشورات النورس، هو مذكرات/ أي وجهة نظر، صادر عن فاعل حقوقي ومدني وأستاذ أكاديمي عاش إلى جانب الراحل عبد الرحمان اليوسفي، وعمل إلى جانبه كمستشار للوزير الأول في حكومة التناوب التوافقي من 1998 إلى 2002، وظل على احتكاك به حتى بعد اعتزاله السياسية.. إنه كتاب وثيقة، يحكي أسرارا عاشها النويضي في قلب أحداث ميزت نهاية القرن الماضي وبداية الألفية الثالثة، وقائع وشمت بميسمها المغرب المعاصر.
أهمية كتاب “مذكرات مستشار الوزير الأول عبد الرحمان اليوسفي نابعة أيضا من أن الكثير من الوقائع المسرودة مدعمة بالوثائق التي تعززها، وأيضا لأن العديد ممن صنعوا المرحلة لا زالوا شهودا أحياء، يقول عبد العزيز النويضي في تقديم مذكراته المتميزة: “اليوم، بعد أن غادرنا فقيدنا العزيز الأستاذ عبد الرحمن اليوسفي يوم الجمعة 29 ماي 2020 في سنة الوباء، سنة القلق والأحزان، حفزتني نفسي على سرد ذكريات موثقة أو عاينها شهود أحياء. تهم محطات عديدة، خالطت فيها الرجل قبل أن يصبح وزيرا أول، ثم خلال تحمله تلك المسؤولية، وأخيرا بعدها. إضافة لمحطة أخيرة تهم أنشطتي الخاصة، بعد أن غادرت ديوان الوزارة الأولى، وتلك حكاية أخرى.
لا يدخل في اهتمام هذه المذكرات، الدفاع عن تجربة الفقيد أو الإشادة بمناقبه التي يعترف بها حتى خصومه السياسيون، كمناضل من أجل التحرر من الاستعمار ومن أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان رغم ما يمكن أن يؤاخذ عليه في بعض الجوانب من طرف من اختلفوا معه، بل إن الهدف الرئيسي هو إلقاء مزيد من الضوء على محطة مهمة من الزمن المغرب المعاصر، لفهم أكبر للدينامية السياسية ببلادنا،عبر سرد محطات ووقائع عشتها مع الرجل وتدقيق بعض الروايات المغلوطة أو الناقصة… كل ذلك خدمة للديمقراطية في بلادنا، ووفاء للتاريخ والحقيقة. يظل اليوسفي شخصية نادرة في حقلنا المغربي وثقافتنا السياسية. لقد تعلمت منه كما تعلمت من تجربتي في الحياة ومن أشخاص آخرين ملتزمين بفكر الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان والشعوب والنضال السلمي من أجلها، الشيء الكثير، وليس سرد ما حدث لي كمستشار عمل إلى جانب الراحل سوى المساهمة في التوثيق الذي ينفع المؤرخين والأجيال التي تأتي بعدنا.
اليوم، ما حدث أصبح واقعا وجزءا من ذاكرة المغرب يتعين الاستفادة منه، خاصة أن أمور التغيير الاجتماعي والتطور السياسي في بلد كالمغرب مسألة في غاية التعقيد ولا يمكن نسبة نجاحها أو فشلها إلى متغير واحد أو رجل واحد يتحرك ضمن شبكة واسعة من المؤثرات الداخلية والخارجية”.
نقرأ في فهرست الكتاب الصادر حديثا والذي يقع في 242 صفحة من الحجم الكبير، عناوين كثيرة من بينها: الرسائل التي طلب مني اليوسفي تبليغها في مؤتمر الأممية الاشتراكية بلندن، علاقتي بالمناضل نوبير الأموي والحوار الاجتماعي في منزل إدريس البصري، الفخ الذي أدى إلى رد فعل الملك الراحل الحسن الثاني، ملابسات قرار منع ثلاث جرائد: لوجورنال والصحيفة ودومان سنة 2000، رسالة ملكية استثنائية وحزن اليوسفي، قصة تحديد قبر محمد بنونة بعد مقتله في حوادث الأطلس في مارس 1973، قال لي اليوسفي: هل تعتقد أن بنية السلطة ستذوب مثل السكر في الماء؟، اليوسفي والمهدي بن بركة: من أجل وضع حد لجنازة تستمر 50 سنة، اليوسفي يعتذر عن مهمة للأمم المتحدة: “سالينا، الله يجعل البركة”، اليوسفي للأموي: “لن نفترق حتى يرتفع الدخان الأبيض”، طرائف ونوادر مع اليوسفي.