ندوة علمية بمراكش تقارب قضايا الإعلام الرقمي وتحديات التنظيم والأخلاقيات
اشرف مكتب الفرع الجهوي للفيدرالية المغربية لناشري الصحف بجهة مراكش اسفي يوم أمس السبت 9مارس على تنظيم ندوة علمية تفاعلية تحت عنوان”حول :“تحديات الإعلام الرقمي: التنظيم الذاتي والأخلاقيات”
وأثارت الندوة العلمية التفاعلية قضايا الإعلام الرقمي وأسئلته السوسيولوجية والاجتماعية والتنظيمية في المغرب في ظل الطفرة التكنولوجية والمعلوماتية التي يشهدها العالم
وساهم في تأطير اشغال هذه الندوة العلمية الهامة الدكتور أنس أبو الكلام (أستاذ التعليم العالي ، رئيس شعبة الدفاع الإستدراري بجامعة القاضي عياض)، الدكتور إدريس ايتحو (أستاذ التعليم العالي، علم الاجتماع جامعة القضاي عياض)، الدكتور عبد الصمد الكباص (إعلامي وباحث) .
وقاربت الندوة مختلف الأبعاد والرهانات التي تطرحها أزمة القيم والمعلومات وأنظمة الروابط السيبرانية عالية الدقة، مع ما تحمله الجهوزية الذاتية أو الجمعية من تداعيات عميقة في المجتمع والأسرة والمدرسة، وسبل تجاوزها واجتيازها.
وفي كلمة بالمناسبة لرئيس الفرع الجهوي للفيدرالية المغربية لناشري الصحف الأستاذ ابراهيم السروت، أكد خلالها أن هذا اللقاء يهم الصحافة المهنية والجهوية والوطنية، وهو الأول من نوعه بمراكش و ستليه لقاءات وندوات اخرى لتحسيس المواطن ورد الاعتبار للصحافة الجهوية والوطنية.
و قال الدكتور مصطفى غلمان مسير الندوة، إن ممارسة الإعلام ببلادنا تستدعي عدم تبخيس الحق في الانتقاد والتصريف الفكري والمباغتة الصادمة، مادامت علة الاستقواء والتردي متدثرة بأوجاع الصدأ والاندثار، دون الانحياز لصنيعة الصمت، مع نفور هادئ وحازم ومنهجي لا يقطع الجسر العابر إلى النهر.
وأضاف غلمان، المكلف بتسيير الندوة، أن الذي “يقال ولا يزال عن أزمة الإعلام والصحافة في بلادنا، كفيل بأن يبني حضارة واسعة من اليوطوبيا، وينهي عصرا فريدا من التخبط واللامعنى، في ظرفية صعبة وشاذة أضحت فيها العشيرة الفريدة من قبيلة الإعلام تتصادم وتتنابز وتثور دون إحداث تغيير”، مؤكدا في السياق ذاته أن “القطيعة مع الماضي يجب أن تتجاوز التراكمات السياسية والأيديولوجية، وأن تعتبر الأولويات مجالا للحوار المبدئي والحاسم”.
وعلى ضوء هذا التقديم، اعتبر الأكاديمي أنس أبو الكلام أن “الثورة التكنولوجية والمعلوماتية التي عاشتها البشرية تنزوي إلى بزوغ معالم منظومة ثقافية مغايرة، تعكسها الطفرة الكمية للمعلومات”، مشددا في مداخلته على أنها “تواجه في الاقترابية القيمية للإعلام ووظيفته، مشاكل تراكمية عسيرة الهضم”.
وحول آثار هذه البواعث السلبية على أخلاقيات التلقي المجتمعي، أبرز أبو الكلام أن “نماذج من خوارزميات هجينة، تبتلع مليارات الرموز والعلامات، ما تزال هوياتها غامضة ودون أية فعالية تذكر”، مشيرا إلى أنه “إذا كانت انتقالاتها مبنية على مناهج التصنيف الحديث للملكيات المدجنة، والقاصمة لظهر المفهومية (الخصوصية) أو (الذات) والنص الأصلي، فإن تورية ذلك على حساب الأخلاقيات يضاعف من رصيد انحرافها على الطريق”.
وعمل الأكاديمي أبو الكلام على طرح بدائل منهجية لتحقيق نوع من التواصل مع هذه البراديغمات المهولة، متسائلا: “هل نحن بإزاء وضع فاشل لتحميل أدوار خطيرة لوجودنا الافتراضي داخل خزائن نشكل في محوريتها ذرات صغيرة من مليارات شبيهة؟”.
وجاءت مداخلة الإعلامي والباحث الدكتور عبد الصمد الكباص لتجادل أنساق حقوق المجتمع والحقيقة والحرية، والأسئلة الفلسفية المنبثقة من هاجس “الأخلاقيات”، و”تخليق مفاهيم الأمة والوعي بالفضيلة، التي تحيل على التشوهات التي تعكسها الصورة الضحلة والرديئة بتواطؤات اجتماعية ونفسية محضة”.
وشدد الكباص على أنه “انطلاقا من ثنائية الحقيقة والحرية، يبتلعنا الخطاب الإعلامي إلى خارج الدائرة، وفي صلب هذه الدائرة، ثمة قراءات عديمة الجدوى لمصادر وأساسات القرارات، التي غالبا ما تستبد براهن [الرأي] و[حرية التعبير] وقلب العدالة؟”.
وحول “الثقافة اليومية في محك الإعلام الرقمي”، تحدث السوسيولوجي ادريس أيتلحو، باستفاضة، عن “تغير السلوكات اليومية لدى الأفراد بوتيرة سريعة وغير عادية، تحت تأثير وسائل التواصل الاجتماعي والتكنولوجي”، مشيرا إلى أن “سيرورة التغيير تلك تخص الأدوات التكنولوجية كما تخص الأفراد المعنيين أنفسهم”.
وأوضح أيتلحو أن “كلا من الوسائل الأداتية والبشرية والثقافية والتنظيمية-في المقاولات مثلا-وغيرها، تخضع لمنطق التحول هذا، كموضوع سوسيولوجي أكثر مما هو تكنولوجي”، معتبرا أن “كلا من الملكية والحرية والتواصل وغيرها، قيم يعاد النظر فيها دون الانتباه-أو بقليل من-إلى ذلك”.
ودعا الأكاديمي المحاضر إلى محاولة تحييد أنماط وسلوكيات التواصل الهشة، ومراجعة الدوافع الثقافية بإزائها، لافتا إلى أن “التعاطي مع الثقافة بأبعادها الكونية والإنسانية يستوجب غطاء هوياتيا قويا وامتدادا أفقيا سيروريا”، مضيفا أن “الإعلام الرقمي يحدث ثورة هادئة في المجتمعات عبر تحول قيمي ايطيقي كامن، قلما انتبه إليه الإنسان العادي”، مؤكدا أن “الإعلام الرقمي أداة متقدمة جدا يتحول من خلالها الأفراد والمجتمعات، ومن ثم ثقافتهم اليومية”.
وفي ختام اللقاء، تم تكريم علمين إعلاميين في الثقافة الإلكترونية، يمثلها أحد أهم مؤسسي الإعلام الالكتروني على المستوى الوطني والعربي، يتعلق الأمر بالأستاذ الإعلامي طارق السعدي، بالإضافة إلى هرم الإذاعة الوطنية الأستاذ أحمد الريفي.