عالمٌ يلفّه الدخان، ونفوسٌ تُزهق ببطء، وأرباحٌ تُحصد على حساب صحة الإنسان، هكذا تُلخص حربٌ خفية تدور رحاها بين شركات التبغ وصحة العالم.
منذ عقود، تُصنّف منظمة الصحة العالمية التبغ كأحد أكبر التهديدات للصحة العامة، حيث يُقتل سنويًا أكثر من 8 ملايين شخص بسبب التدخين، 7 ملايين منهم من المدخنين، و1.3 مليون من غير المدخنين بسبب التعرض للتدخين السلبي.
على خطوط الجبهة، تقف شركات التبغ، مُسلّحةً بترسانةٍ من الإعلانات المُضللة والممارسات المُخادعة، مُستهدفةً فئاتٍ عمريةٍ مختلفة، بدءًا من المراهقين وصولًا إلى كبار السن.
باستخدام أساليبٍ مُتقنةٍ، تُروج هذه الشركات لمنتجاتها السامة، مُتستّرةً وراء ستارٍ من الأكاذيب والتلاعب بالحقائق، مُدعيةً أنّ منتجاتها “خفيفة” أو “آمنة” أو “تُساعد على الاسترخاء”.
لكنّ الواقع يُخالف ذلك تمامًا، فالوقائع تُشير إلى أنّ التبغ يُعدّ من أفتك أمراض العصر، فهو السبب الرئيسي لأمراضٍ خطيرةٍ مثل سرطان الرئة وأمراض القلب والتهابات القصبات الهوائية.
منظمة الصحة العالمية تسمي الظاهرة بـ”وباء التبغ”، على اعتبار أن صناع التبغ “يستغلون الفرص للتلاعب بالسياسات الصحية وبيع منتجاتها القاتلة، وتغتنم عبر تحقيق الأرباح على حساب عدد لا يحصى من الأرواح”.
وتحث منظمة الصحة العالمية الدول على وضع سياسات مكافحة التبغ ومكافحة تدخل صناعة التبغ، وتسليط الضوء على كيفية “استمرارها في الكذب على الجمهور”.
وأشارت تقارير الصحة العالمية إلى أن سرطان الرئة يشكل 2.5 مليون حالة جديدة، من أنواع السرطانات الأكثر شيوعا، منبهة من أنه من المرتقب أن يرتفع عدد المصابين بأمراض السرطان سنة 2050.
غياب التشريع يُضعف التحسيس
الدكتور والمتخصص في طب الإدمان، هشام خرمودي، قال إن الحملات التحسيسية والوقائية لمحاربة ظاهرة التدخين، التي تسهر على تنظيمها المؤسسات العمومية والمجتمع المدني، تبقى ضعيفة الأثر في حالة عدم وضع قوانين لضبط ومواجهة هذه الآفة الصحية الخطيرة.
وأبرز هشام خرمودي في حديثه لجريدة “العمق”، أهمية الجانب التشريعي لمحاربة ظاهرة التدخين، خاصة عند المراهقين، وأنه على المشرع المغربي، انطلاقا من توقيعه على الاتفاقية الإطار الصادرة عن النسخة السادسة لمؤتمر الأطراف لمكافحة التبغ، بموسكو، أن يسعى لوضع قوانين رادعة، للمزيد من الضبط وتشديد المراقبة، مشيرا إلى هناك محلات لبيع التبغ تجاور مؤسسات تعليمية.
واسترسل خرمودي أن الدول الموقعة على الاتفاقية الإطار لمكافحة التبغ، قد عززت ترسانتها القانونية الداخلية قصد محاربة الآفة الصحية المذكورة، مشيرا إلى أن دستور المملكة أكد في تصديره على التزامه بالاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب.
ودعا المتحدث وزارة الداخلية في هذا إلى العمل من أجل اقتراح مشروع قانون لمحاربة التدخين، علاوة على ما قامت به في تقنين الاستعمال الطبي لنبتة الكيف، قائلا: “في الوقت الراهن نحتاج لنفس المجهودات المقدرة التي قامت بها وزارة الداخلية للاستفادة الطبية من نبتة الكيف، ووضع إطار قانوني لمحاربة التدخين، وذلك من أجل تجنب الإدمان عند الأطفال والمراهقين”.
دعوات لمنع التدخين في الفضاء العام
رُفعت في أكثر من مناسبة دعوات مدنية وسياسية للإسراع في إصدار النصوص التطبيقية الكفيلة بتنزيل القانون المتعلق بمنع التدخين والإشهار والدعاية للتبغ في الأماكن العمومية، والتشديد في تنفيذها، إضافة إلى زيادة الرسوم عليها وتخصيص عائداتها لبرامج الوقاية والعلاج.
نذكر في هذا الإطار نداء منظمة بدائل للطفولة والشباب، الحكومة المغربية الذي يحمل 5 توصيات للحكومة المغربية، من شأنها أن تساعد في “اتخاذ إجراءات فعالة ومستدامة للتصدي لمشكلة التدخين”، وفق تعبيرها.
أول هذه التوصيات، تعزيز الوعي والتثقيف الصحي؛ موضحة أنه ينبغي على الحكومة المغربية تعزيز حملات التوعية والتربية الصحية حول آثار التدخين الضارة على الصحة، ويجب عليها توجيه جهود التثقيف لتشمل جميع الفئات العمرية والمجتمعات، بما في ذلك الشباب والنساء والفئات المهمشة.
كما اقترحت الهيئة المذكورة تدعيم سياسات مكافحة التدخين، وتشديد التشريعات المتعلقة بالتدخين وتنفيذها بشكل صارم، بما في ذلك من فرض حظر التدخين في الأماكن العامة والمؤسسات التعليمية والمجمعات السكنية والأماكن العمل، وزيادة الرسوم على منتجات التبغ وتخصيص عائداتها لبرامج الوقاية والعلاج.
وأضافت أنه يجب الاشتغال على تعزيز العلاج والإرشاد وتوفير خدمات صحية للمدخنين الراغبين في الإقلاع عن التدخين، وتوفير برامج مجانية للمساعدة في الإقلاع عن التدخين، بما في ذلك الدعم النفسي والعلاج الدوائي.
ويدعوا المقترح الرابع، لتنفيذ السياسات الرامية للحد من التسويق والإعلان عن منتجات التبغ، وأن تكون السياسات قوية وتشمل حظر الترويج والإعلانات التي تستهدف الشباب.
كما طرحت آلية التعاون الدولي والتنسيق مع المنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية والشركاء الدوليين لتبادل المعرفة والخبرات وتعزيز التنسيق في مجال مكافحة التدخين.
وفي المقترح الأخير، حثت المنظمة على التعاون بين القطاعات المختلفة والشراكة بين المؤسسات الحكومية وغير الحكومية والمجتمع المدني لتحقيق مجتمع صحي خالٍ من التدخين، داعية في هذا الصدد، وبمناسبة إطلاق البرنامج الوطني للتخييم لهذه السنة، إلى “مخيمات بدون تدخين” ومعها كل مؤسسات وفضاءات الطفولة والشباب.