تمكين موسمي وإقصاء ممنهج: الشباب في قلب المسرح السياسي

0

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

في كل موسم انتخابي، تنقلب عقارب الخطاب السياسي نحو الشباب، وكأن الأحزاب تكتشف فجأة وجود مكوّن يمثل أكثر من ثلثي المجتمع. تظهر كلمات “التمكين” و”الرهان على الجيل الجديد”، وتشتعل المنصات وتُزهر الوعود في البرامج، لكن سرعان ما تتبخر هذه الشعارات مع انطفاء أضواء الحملة، ويعود كل شيء إلى سابق عهده.

الشباب المغربي لم يعد يصدق هذا المشهد المتكرر. لقد خبر اللعبة جيدًا، ويدرك أن كثيرًا من الحديث عن التجديد لا يعدو أن يكون طلاءً انتخابيًا سرعان ما يتقشر. في الواقع، لا يجري إدماج الشباب بقدر ما يجري استغلالهم. حضورهم غالبًا ما يكون صورياً: لافتات بشرية تملأ مقاعد اللقاءات، وابتسامات تزين الصفوف الأمامية، دون أن تلامس جوهر القرار أو تقترب من مواقع التأثير.

ما يحدث ليس مجرد خلل في تدبير النخب، بل هو تعبير عن عقلية سياسية تفضّل التكرار على التغيير، وتجد في “الواجهة الشابة” حلاً تسويقياً لا خياراً استراتيجياً. وجوه جديدة تُستقدم فقط لتُعطي انطباعاً بالتجديد، بينما تُدار الأمور من خلف الستار بنفس الوجوه القديمة، أو من يدور في فلكها.

ليس غريبًا إذن أن تتسع فجوة الثقة، وأن يتفاقم العزوف السياسي، وأن يصبح التسجيل في اللوائح أو الترشح مغامرة غير محسوبة. فكيف يمكن لجيل بكامله أن ينخرط في مشهد لا يراه يعكس طموحه أو يعترف بصوته؟ وكيف يُطلب منه الإيمان بلعبة قواعدها مغلقة ومحاورها مسيجة؟

الجواب ليس في إعادة تدوير الخطابات، بل في إعادة هيكلة الفهم السياسي برمته. لا بد من قطيعة حقيقية مع منطق الاستغلال الظرفي، وفتح المجال أمام مشاركة فعلية، تستند إلى الكفاءة لا الولاء، وإلى المبادرة لا الخضوع. الأحزاب مطالبة بأن تعيد النظر في بنيتها الداخلية، لا لتجميل صورتها، بل لضمان استمراريتها ومصداقيتها. أما الدولة، فعليها أن تخلق شروطًا تضمن حرية المشاركة السياسية، بعيدًا عن الوصاية والتوجيه.

الشباب المغربي لا يطلب معجزات. فقط يريد أن يُعامل كمواطن كامل، لا كأداة دعاية انتخابية. يريد أن يُسمع صوته في صياغة السياسات، لا أن يُكتفى به في حمل اللافتات. إنهم جيل لا تغريه الشعارات، بل يُحفّزه الفعل. والمستقبل، في النهاية، لا يُبنى بالتمثيل الرمزي، بل بالشراكة الحقيقية.

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.