احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.
قبل 26 سنة، دخل المغرب عهدًا جديدًا مع اعتلاء صاحب الجلالة الملك محمد السادس عرش أسلافه المنعمين، في لحظة فارقة اختلط فيها الحزن بالأمل، والوداع بالانبعاث. منذ ذلك اليوم من صيف 1999، بدأ مسار غير مسبوق من التحولات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والدينية، أرسى قواعد “ملكية مواطِنة” جعلت من المواطن محور السياسات العمومية، ومن الدولة شريكًا في ضمان الكرامة والعدالة.
من المفهوم الجديد للسلطة إلى المصالحة الوطنية
أول إشارات التغيير تجسدت في الخطابات التأسيسية للملك الشاب، حيث أعلن المفهوم الجديد للسلطة، وهو تحول جذري في علاقة الدولة بمواطنيها، قوامه ربط المسؤولية بالمحاسبة وتخليق المرفق العام.
في هذا السياق، جاءت هيئة الإنصاف والمصالحة كأول تجربة عربية فريدة في جبر الضرر الجماعي والفردي، وكسرت جدار الصمت الذي ظل يحيط بالماضي الحقوقي، مُعلنة بداية عهد الإنصاف والاعتراف.
إصلاح الأسرة… تأسيس مجتمع التوازن والمساواة
سنة 2004، شهد المغرب تحولاً اجتماعياً تاريخياً بإصلاح مدونة الأسرة. لم تكن مجرد مراجعة قانونية، بل ثورة هادئة أعلت من كرامة المرأة، ووضعت قواعد جديدة للمسؤولية المشتركة داخل الأسرة، وقيّدت التعدد، وكرّست مبدأ المساواة، في ظل قراءة متنورة ومتوازنة للفقه الإسلامي.
المبادرة الوطنية للتنمية البشرية… محاربة الفقر من الجذور
في 2005، أطلق الملك محمد السادس مشروعاً اجتماعياً تنموياً غير مسبوق: المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، التي استهدفت تقليص الفوارق المجالية ومحاربة الهشاشة والإقصاء. برامج هذه المبادرة اخترقت الهامش وأعادت الأمل إلى المناطق المنسية، عبر مشاريع صغيرة ومتوسطة، ودعم الفئات الضعيفة اقتصادياً واجتماعياً.
دستور 2011… استجابة راقية للتحديات الإقليمية
في لحظة حاسمة من التاريخ السياسي الإقليمي، لم ينتظر المغرب أن تفرض عليه التغييرات، بل اختار أن يصنعها. فجاء دستور 2011 ليكرّس فصل السلطات، ويمنح البرلمان والحكومة صلاحيات واسعة، ويعزز استقلال القضاء، ويُقرّ الأمازيغية كلغة رسمية، ويضع أسس جهوية متقدمة تعزز الديمقراطية المحلية.
الحقل الديني… ترسيخ الاعتدال وتحصين المجتمع
اختار الملك محمد السادس أن يقود إصلاحًا عميقًا للحقل الديني، قاعدته “إسلام الوسطية والاعتدال”. تمت إعادة هيكلة المجالس العلمية، تأهيل الأئمة، وإطلاق برنامج المرشدات، في تجربة رائدة ضمن العالم الإسلامي، هدفها تحصين المجتمع من خطاب الغلو والتطرف، وتعزيز المرجعية الدينية المغربية القائمة على التسامح والتعايش.
البنية التحتية… الجغرافيا في خدمة التنمية
في عهد الملك محمد السادس، تحوّل المغرب إلى ورش مفتوح للبنيات التحتية الكبرى. من ميناء طنجة المتوسط، إلى قطار “البراق”، ومن الطرق السيارة والمطارات، إلى مشروع نور ورزازات، أضحى المغرب نموذجًا في تحويل الجغرافيا إلى أداة للنمو والانفتاح، كما تحوّل إلى قطب صناعي محوري في مجالات السيارات والطيران والطاقة النظيفة.
الحماية الاجتماعية… بناء دولة الرعاية
في سنة 2020، أُعلن عن أكبر ورش اجتماعي في تاريخ المغرب: تعميم الحماية الاجتماعية. هذا الورش يُعد نقلة نوعية في بناء دولة الرعاية، إذ شمل التغطية الصحية الإجبارية، التعويضات العائلية، التقاعد، والدعم المباشر للأسر الفقيرة والهشة، في مقاربة تروم العدالة الاجتماعية وتعزيز التماسك الوطني.
الدبلوماسية الملكية… حضور فاعل ووازن
في السياسة الخارجية، قاد الملك محمد السادس دبلوماسية مبنية على الثبات والهدوء الاستراتيجي، أعادت للمغرب حضوره القوي داخل إفريقيا، وكرّست شرعية موقفه في قضية الصحراء المغربية، من خلال اعترافات دولية وازنة وفتح قنصليات في العيون والداخلة. كما رسّخ المغرب شراكات اقتصادية متعددة الأبعاد مع قوى كبرى في أوروبا وآسيا وأمريكا اللاتينية.
مونديال 2030… تتويج لمسار الثقة والبناء
فوز المغرب بشرف تنظيم كأس العالم 2030 رفقة إسبانيا والبرتغال ليس مجرد إنجاز رياضي، بل تتويج لثقة دولية في قدرة البلاد على احتضان تظاهرات كبرى، بفضل بنيته التحتية وموقعه الجيوسياسي وتجربته في الاستقرار.
الملكية المواطِنة… مشروع وطني متجدد
ما بين 1999 و2025، لم يكن التحول المغربي صدفة ولا ارتجالًا، بل مسارًا استراتيجياً تقوده ملكية إصلاحية تؤمن بقدرة الوطن على تجاوز تحدياته.
الملكية المواطِنة كما أرسى معالمها جلالة الملك محمد السادس، ليست مجرد شكل للحكم، بل فلسفة متكاملة تُعلي من قيمة الإنسان، وتؤمن بأن التقدم لا يكون إلا بشراكة بين الدولة والمجتمع، وأن التنمية لا تكتمل دون كرامة وحقوق وعدالة اجتماعية.
إنه مغرب يتقدم بثقة، ويُراكم الإصلاح تلو الآخر، في مشروع مستمرّ عنوانه الأبرز: المواطن أولاً.