القانون والمواطنة: بين الالتزام والهوة المجتمعية
القانون في المغرب يبدو صارماً وملزماً للجميع، لكنه في الواقع يواجه تحديات كبيرة عندما تصطدم إرادة الدولة بالمصالح الفردية والجماعية، أو عندما يُستغل الفراغ القانوني لصالح نخب سياسية واقتصادية. فهناك من يعيش خارج نطاق القانون، مستفيداً من الريع، بينما يعاني المواطن البسيط من غياب العدالة والتنمية المتوازنة. حراك الريف كشف عن هذه الهوة، وعرّى واقع استغلال بعض الأطراف لمطالب المواطنين لتحقق مصالحهم الخاصة، بدلاً من تعزيز الحقوق والتنمية الشاملة.
حقوق الإنسان لا تتعارض مع تطبيق القانون، بل يمكن أن تتناغم معه عبر الإصلاح المستمر والحوار الأكاديمي والسياسي والثقافي والديني. ومع ذلك، يظل التأطير المجتمعي ناقصاً، إذ تشوب الخطابات السياسية ازدواجية، ويغيب القدوة المنهجية، ويستغل بعض المؤثرين الفضاء الاجتماعي لنشر أفكار مشوشة تؤدي أحياناً إلى مواجهة السلطات، ما يعكس ضعف ثقافة المواطنة والوعي المجتمعي.
المسألة لا تقتصر على المواطن وحده، بل تشمل آليات التشريع نفسها، التي غالباً ما تُصاغ تحت ضغط المصالح الخاصة، ليجد المواطن نفسه مقيداً بقيود قد تؤدي إلى شعوره بالغربة عن الوطن ورفضه للالتزام بالقوانين، وهو ما يعمّق التوتر بين الدولة والمجتمع.
في هذا الإطار، مبادرات إنسانية مثل السماح للسجين ناصر الزفزافي بحضور جنازة والده، تبرز قدرة الدولة على الجمع بين الصرامة القانونية والرحمة الإنسانية. كلمات الزفزافي، التي قطعت مع فكرة الانفصال واستغلال مشاعر الشباب، تعكس خطوة نحو مصالحة وطنية قائمة على الحقوق والواجبات، بعيداً عن الفوضى والاستغلال السياسي.
المغرب اليوم أمام فرصة لإعادة بناء الثقة بين الدولة والمواطنين، عبر الالتزام بالشفافية والمساواة وتطبيق القانون بعدل، مع احترام الحقوق والحريات، وتحويل الأزمات إلى فرص لتعزيز اللحمة الوطنية وإعادة الأمل. حين يشعر المواطن بأن الدولة في خدمته وتحميه، يصبح هو نفسه صمام أمان للاستقرار الوطني وحامي هيبة مؤسساتها.
الريف المغربي، مثل باقي مناطق الوطن، يتقاسم نفس المعاناة والمطالب التنموية، ويبرز وعي شبابه بحقوقهم في الكرامة والعدالة. المرحلة القادمة تتطلب شجاعة المسؤولين وعقلانية المواطنين، ووعي الجميع بأن التوازن بين القانون والثقافة والدين وبين الحقوق والواجبات هو السبيل للحفاظ على وحدة الوطن وضمان مستقبل أفضل للأجيال القادمة.