الكفاءة فوق الانتماء: تعيين وزراء أصحاب اختصاص شرط نجاح الحكومة
يشكل تعيين الوزراء على رأس القطاعات الحيوية من أهم عوامل نجاح أي حكومة، لما لذلك من أثر مباشر على تقديم الخدمات، تنفيذ السياسات، وتحقيق أهداف التنمية. غير أن الواقع في كثير من الدول، بما فيها بلادنا، يظهر فجوة واضحة بين اختصاص الوزير والقطاع الذي يقوده، حيث يتم اختيار المسؤولين أحياناً بناءً على الانتماء السياسي أو الولاء الحزبي، لا على أساس الكفاءة والمعرفة العلمية والمهنية.
هذه الممارسة لها آثار سلبية مباشرة، فهي تؤدي إلى بطء في اتخاذ القرار، ضعف في تنفيذ السياسات، وتراجع في جودة الخدمات المقدمة للمواطنين. فالوزير الذي يبقى داخل مكتبه بعيداً عن الميدان، بعيداً عن متابعة المشاريع ومواكبة تحديات وزارته اليومية، هو وزير فاشل بكل المقاييس، مهما كانت شعاراته ووعوده السياسية.
القطاعات الحيوية تحتاج إلى وزراء على دراية كاملة بتفاصيل عملها: القطاع الصحي يحتاج طبيباً أو خبيراً في الصحة العامة، والقطاع الزراعي يحتاج فلاحاً أو خبيراً في الزراعة والاقتصاد الزراعي، وهكذا لكل وزارة اختصاصها الذي يفرض أن يكون على رأسها شخص ملم بتحدياتها وحلولها.
تعيين أصحاب الاختصاص لا يعني استبعاد السياسة من إدارة الدولة، بل الجمع بين التوجه الاستراتيجي والسياسات العامة من جهة، والكفاءة الفنية من جهة أخرى. هذه المقاربة تضمن أن القرارات المتخذة ليست شعارات فقط، بل خطوات عملية قابلة للتطبيق ومرتبطة بالواقع.
اليوم، لم يعد المواطن مستعداً للتساهل مع تجربة الوزارات غير المتخصصة أو الوزراء المنعزلين داخل مكاتبهم. نجاح الحكومات المستقبلية يتطلب التزاماً واضحاً بمبدأ الكفاءة قبل الانتماء السياسي، وإعطاء الفرصة للخبراء وأصحاب الاختصاص لقيادة القطاعات التي يعرفونها عن كثب، مع متابعة يومية للميدان لضمان نتائج ملموسة.
فالوزير الناجح هو من يعرف مشكلات وزارته، يقف وسط فريقه، يراقب تنفيذ المشاريع، ويتفاعل مع الواقع اليومي، وليس من يكتفي بالجلوس خلف مكتبه دون اتخاذ أي خطوات حقيقية.