معركة مكافحة الفساد في المغرب… هل تتجدد صراعات “إختصاصات التحقيق”؟
على خلفية توجيهات رئيس النيابة العامة، هشام بلاوي، بإحالة تقارير المجلس الأعلى للحسابات والمفتشية العامة لوزارة الداخلية المتضمنة اختلالات ذات صبغة جنائية إلى الشرطة القضائية والدرك الملكي، إضافة إلى مطالبته بتسريع الأبحاث في ملفات جرائم المال العام المتوقفة، تتجدد تساؤلات عميقة حول آليات مكافحة الفساد في المغرب.
و تثير هذه الخطوة، رغم تطلعات الرأي العام، ملاحظات قانونية وسياسية هامة، كما أشار إلى ذلك المحامي والناشط الحقوقي محمد الغلوسي في تدوينة له على صفحته الفيسبوكية صباح اليوم.
يُقر الغلوسي بأهمية ما نشر حول تحرك النيابة العامة، مؤكدًا أن “الرأي العام يتطلع فعلاً إلى إحالة التقارير الرسمية ذات الصلة بالفساد على القضاء لإجراء كافة الأبحاث الضرورية وتحريك المتابعات القضائية ضد المتورطين المفترضين في شبهات فساد وتبديد واختلاس المال العام”.
إلا أنه يضع جملة من الملاحظات الجوهرية التي تستدعي الوقوف عندها، خاصة فيما يتعلق بتقارير المجلس الأعلى للحسابات.
يشير الغلوسي في تدوينته إلى أن هناك “جهات وجماعات ومؤسسات ومرافق عمومية ووزارات لم يصدر بشأنها المجلس الأعلى للحسابات أي تقرير لحدود الآن رغم الأصوات المرتفعة المطالبة بضرورة إجراء افتحاص شامل لتلك الجهات والمؤسسات والوزارات والتي تدير أموال ضخمة”.
والأكثر إثارة للقلق، وفقًا للغلوسي، هو أن المجلس “أنجز تقاريره بخصوص بعض الجهات إلا أنه لم ينشرها ولم يقم بإحالة ما يكتسي منها طابعًا جنائيًا على رئيس النيابة العامة”. هذا يطرح تساؤلات مشروعة حول “المعايير التي يعتمدها المجلس من جهة في إجراء الافتحاص لمؤسسة وجماعة وجهة دون أخرى ومن جهة ثانية في إحالة بعض التقارير على القضاء دون أخرى؟”
كما ينتقد الغلوسي نقطة قانونية محورية، تتمثل في كون “مدونة المحاكم المالية لا تلزم الوكيل العام للملك لدى المجلس الأعلى للحسابات بإحالة تقاريره ذات الصبغة الجنائية على القضاء لمتابعة المتورطين في تبديد واختلاس أموال عمومية”. هذه الثغرة القانونية قد تفتح الباب أمام حرية تقديرية واسعة قد تعيق مسار المحاسبة.
ويحذر الغلوسي في نفس التدوينة من تأثير مقترح المادتين 3 و 7 من مشروع قانون المسطرة الجنائية، معتبرًا أنهما “ستجعلان النيابة العامة لا تستطيع التحرك إلا بناء على طلب جهات أخرى ومنها جهات إدارية تابعة للسلطة التنفيذية (المفتشية العامة للمالية والداخلية) مشفوع بتقارير رسمية منجزة من طرفها”. هذه التقارير، حسب الغلوسي، “تبقى الجهة المنجزة لها وحدها صاحبة السلطة التقديرية في تقرير جدوى إحالتها على رئيس النيابة العامة من عدمه”، مستشهدًا بالمادة 111 من مدونة المحاكم المالية كـ “خير دليل على ذلك”.
ويستدعي الغلوسي تجربة سابقة تعود لفترة تولي وزير العدل والحريات الأسبق، الأستاذ المصطفى الرميد، رئاسة النيابة العامة. ففي تلك الفترة، شكل الرميد لجنة من قضاة برئاسة الأستاذ محمد بنعليلو (الرئيس الحالي للهيئة الوطنية للنزاهة) لدراسة تقارير المجلس الأعلى للحسابات وإحالة ما يكتسي منها طابعًا جنائيًا على القضاء. إلا أن هذا التوجه اصطدم، بحسب الغلوسي، “بتوجه آخر يقوده رئيس المجلس الأعلى للحسابات حينها السيد إدريس جطو وبرلمانيين ينبه وزير العدل والحريات بأن مسعاه مرفوض بعلة أن المادة 111 من مدونة المحاكم المالية تتحدث على ضرورة إحالة تلك التقارير من طرف الوكيل العام للملك لدى المجلس الأعلى للحسابات على وزير العدل حينها بصفته رئيسًا للنيابة العامة وأنه لا يحق له التحرك بشكل تلقائي دون حصول تلك الإحالة الرسمية”.
ورغم تشبث الرميد بنصوص المسطرة الجنائية التي تفرض على النيابة العامة التحرك ولو بناءً على وشايات، فما بال إذا كان الأمر يتعلق بتقارير رسمية، إلا أن النقاش “حسم بسرعة وانتصر لتوجه يرى أن مكافحة الفساد يجب أن تُضبط عقاربها بدقة من خلال التقارير التي ستحال على القضاء والتي لا تتحكم في إحالتها النيابة العامة بل جهات أخرى خارج جسم القضاء”. اعتبر هذا التوجه آنذاك أن المادة 111 من مدونة المحاكم المالية “هي نص خاص وينظم مجالاً بعينه وأنه لا مجال للاستدلال بنصوص المسطرة الجنائية!”.
ويختتم الغلوسي تدوينته بتأكيد أن “نفس المعركة لا تزال مستمرة ومفتوحة”. ويعتقد أن “التوجه المستفيد من واقع الفساد والريع والإثراء غير المشروع والذي لا مصلحة له في حدوث اختراق أو تطور في مجال تخليق الحياة العامة وتحقيق إصلاحات عميقة تجعل البلد يتقدم في مؤشرات التنمية وقادر على مواجهة كل التحديات، يرى هذا التوجه أنه لابد من ضبط المجال بشكل دقيق لا يترك أي مجال للمشوشين والمبتزين”. وهو ما يسعى إليه هذا التوجه، بحسب الغلوسي، من خلال “تمرير المادتين 3 و 7 من مشروع قانون المسطرة الجنائية وإغلاق ورش الوقاية من الفساد من خلال تهريب تجريم الإثراء غير المشروع وتضارب المصالح وإقبار أي حديث عن استراتيجية وطنية لمكافحة الفساد واسترجاع الأموال المنهوبة”.