صراع تحت القبة حول دعم المقاولات قبل الانتخابات: مشروع قانون يُشعل الجدل السياسي
شهد مجلس النواب اليوم الثلاثاء، جلسة تشريعية اتّسمت بتوتر كبير، خُصّصت للمناقشة والمصادقة على مشروع القانون رقم 23.25، المتعلق بالمصادقة على المرسوم بقانون رقم 2.25.168، الذي يُعدّ تعديلاً للقانون رقم 47.18 الخاص بإصلاح المراكز الجهوية للاستثمار وإحداث اللجان الجهوية الموحدة للاستثمار.
ورغم المصادقة على المشروع بأغلبية 82 صوتاً مقابل معارضة 36، دون امتناع أي نائب، فإن النقاش السياسي الذي سبق التصويت كشف عن تباينات حادة بين مكونات الأغلبية والمعارضة، خصوصاً بشأن توقيت هذا المشروع وحيثيات تمريره.
اتهامات باستغلال سياسي
أثارت فرق المعارضة الشكوك حول خلفيات طرح القانون في هذا التوقيت، معتبرة أن الحكومة تسعى لاستثمار نص قانوني موجّه لفائدة المقاولات الصغيرة والمتوسطة، في سياق يسبق الانتخابات التشريعية المقبلة المقررة في 2026. وعبّرت المعارضة عن قلقها من استغلال هذا القانون كأداة انتخابية، معتبرة أن تأخير إخراجه إلى النور لثلاث سنوات ثم التعجيل بطرحه حالياً يبعث على التساؤل.
مسطرة مثيرة للجدل
من جانب آخر، انتقدت المعارضة اعتماد الحكومة مسطرة المرسوم بقانون خلال الفترة الفاصلة بين الدورات البرلمانية، ووصفتها بأنها “اختزال للمسار الديمقراطي”، خصوصاً أن مناقشته لم تتم إلا عبر لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمجلس النواب ومثيلتها بمجلس المستشارين. رئيس مجلس النواب، راشيد الطالبي العلمي، أشار إلى إمكانية إحالة الموضوع على المحكمة الدستورية للفصل في مدى احترام المقتضيات الدستورية.
دفاع حكومي: دعم المقاولات أولاً
الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالعلاقات مع البرلمان، مصطفى بايتاس، دافع بقوة عن مشروع القانون، موضحاً أن الهدف منه هو “ضمان تنزيل فعال لنظام الدعم الخاص بالمقاولات الصغرى والمتوسطة”، عبر تمكين المراكز الجهوية للاستثمار من لعب دور محوري في تتبع ودعم المشاريع الاستثمارية، في انسجام مع التوجهات الكبرى للجهوية المتقدمة.
وأوضح بايتاس أن هذه المراكز ستُعهد لها مهمة المصادقة على اتفاقيات الاستثمار المعدة في إطار هذا الدعم، إلى جانب تنسيق جهود مختلف الإدارات المعنية بالاستثمار على الصعيد الجهوي.
المعارضة تنتقد الإقصاء الجغرافي والقطاعي
خلال النقاش، عبّر النائب سعيد باعزيز، رئيس الفريق الاشتراكي ـ المعارضة الاتحادية، عن أسفه لما وصفه بـ”الاستبعاد غير المبرر” للمقاولات الفلاحية من الاستفادة من هذا النظام، متسائلاً عن الأسباب التي جعلت الحكومة تتحرك الآن وليس قبل سنوات، رغم تنامي البطالة وتزايد حالات إفلاس المقاولات.
وقال باعزيز إن هذا الاختيار “يزيد من تعميق الفوارق المجالية”، مؤكداً أن السياسات الحالية تُكرّس التفاوت بين ما وصفه بـ”المغرب النافع” و”المغرب غير النافع”، في إشارة إلى غياب العدالة المجالية في توزيع فرص الاستثمار والدعم العمومي.
أما أحمد العبادي، النائب عن حزب التقدم والاشتراكية، فقد شدد على أن الدعم الذي تحدث عنه ميثاق الاستثمار لم يلمس أثره المواطنون بعد، خصوصاً في المناطق المهمشة التي من المفترض أن تستفيد من تحفيزات تصل إلى 15 في المائة من قيمة الاستثمار، دون أن يتحقق ذلك عملياً.
رهانات المرحلة: قانون أم ورقة انتخابية؟
وسط هذا السجال، يبقى الرهان الحقيقي هو مدى قدرة الحكومة على تفعيل هذا القانون بشكل فعّال وعادل، بعيداً عن منطق الاستغلال السياسي، وضمان وصول الدعم إلى المقاولات الأكثر هشاشة، في مختلف جهات المملكة.
ويطرح هذا الملف أسئلة أعمق حول علاقة السياسات العمومية بالمواعيد الانتخابية، ومدى إمكانية تحصين القرارات التنموية من التوظيف السياسي، في ظل سياق اجتماعي واقتصادي دقيق يبحث فيه المواطن عن الأثر الملموس أكثر من الشعارات.