بنكيران ينتقد الحكومة بشدة: أزمة “فراقشية الدواء” تستدعي فتح تحقيق عاجل
تواصل تداعيات الجدل المرتبط بملف صفقات الأدوية داخل المنظومة الصحية المغربية إحداث تفاعلات سياسية متسارعة، بعدما دخل حزب العدالة والتنمية على خط القضية عبر تصريحات قوية لأمينه العام عبد الإله بنكيران، الذي اعتبر أن ما بات يُعرف إعلامياً بملف “فراقشية الدواء” يشكل “فضيحة مخجلة” تستدعي تشكيل لجنة لتقصي الحقائق، وليس الاكتفاء بعقد اجتماع برلماني كما اقترحته الأغلبية الحكومية.
وأشار بنكيران خلال لقاء حزبي، اليوم الأحد، إلى أنّ ما وصفه بـ“الطبيعة الافتراسية للحكومة” يظهر من خلال تعدد القضايا التي تثار حول صفقات وزارة الصحة، معتبراً أن بعض المسؤولين “يتورطون في الفساد دون حياء ودون احتياط”.
ودعا بنكيران أعضاء حزبه إلى رفع درجة الاستعداد للاستحقاقات الانتخابية المقبلة، التي لم يعد يفصل عنها سوى أشهر قليلة، مؤكداً ضرورة العودة إلى التواصل المباشر مع المواطنين لمحاولة منافسة حزب التجمع الوطني للأحرار، الذي قال إنّه يتحرك بدعم “بعض الأشخاص داخل السلطة” وبإمكانات مالية “غير محدودة”، فضلاً عن شبكة من الأعيان.
وتزامنت تصريحات الأمين العام لحزب العدالة والتنمية مع نقاش واسع داخل الأوساط السياسية والبرلمانية حول مسار صفقات اقتناء الأدوية، وما أثير بخصوص شبهات تضارب المصالح في منح تراخيص الاستيراد وارتفاع أسعار بعض المواد الدوائية الحيوية.
وقد بلغ التوتر السياسي ذروته عقب تصريحات عبد الله بوانو، رئيس المجموعة النيابية للحزب، التي تحدث فيها عن “امتيازات ممنوحة لشركات بعينها”، قبل أن يخرج الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى بايتاس، ليرد عليها بشكل مباشر، نافياً ما اعتبره محاولات “لتضليل الرأي العام” من خلال اختزال العلاقة مع إحدى الشركات في فترة زمنية قصيرة.
وقال بايتاس، الذي تحدث خلال إحدى محطات الجولة الوطنية “مسار الإنجازات” بجهة الدار البيضاء–سطات، إن العلاقة المهنية مع الشركة الصيدلانية المعنية تعود إلى سنة 2014، الأمر الذي يجعل الحديث عن امتيازات ظرفية “طرحاً غير دقيق”.
كما شدد على أن الحكومة اختارت نهج الشفافية في تدبير الصفقات العمومية من خلال إعداد مرسوم جديد للصفقات وإحالته على البرلمان للنقاش العمومي، تفادياً لأي شبهة غياب الحكامة.
وأوضح المسؤول الحكومي أن فتح النقاش البرلماني حول المرسوم الجديد يأتي ضمن مقاربة تشاركية تروم إشراك الفاعلين السياسيين والمدنيين في تتبع وتقييم منظومة الصفقات العمومية، مضيفاً أن الحكومة جعلت من تعزيز الدولة الاجتماعية محوراً أساسياً في برنامجها، وهو ما تُجسده مجموعة من الإصلاحات التي تحققت على أرض الواقع.
داخل البرلمان، واصلت المعارضة البرلمانية إثارة الملف خلال مناقشة مشروع قانون مالية سنة 2026، حيث دعا البرلماني مصطفى إبراهيمي، عن حزب العدالة والتنمية، إلى تشكيل لجنة نيابية لتقصي الحقائق حول “شبهات تضارب المصالح والمحسوبية” في منح تراخيص الاستيراد الخاصة بالمواد الدوائية.
واعتبر أن وزارة الصحة تحولت إلى “وزارة للصفقات” بسبب ما وصفه بغياب الوضوح في مساطر الترخيص، مؤكداً أن الأمر يتعلق بـ“ملفات حساسة” لا ينبغي طيّها بمجرد إصدار بيانات توضيحية.
وتصاعدت حدة الخطاب البرلماني أيضاً بعد صدور بلاغ عن وزارة الصحة ينفي الاتهامات المتعلقة بصفقات استيراد دواء “كلوريد البوتاسيوم”، إذ قال بوانو إن البلاغ “يحاول تهريب النقاش” بدل تقديم معطيات دقيقة للرأي العام، داعياً الوزارة إلى نشر أسماء الشركات المستفيدة من التراخيص المؤقتة، ومشدداً على أن تشكيل لجنة تقصي الحقائق هو الحل الوحيد لضمان الشفافية.
وبالمقابل، قدّمت وزارة الصحة روايتها الخاصة لأسباب الخصاص في مادة “كلوريد البوتاسيوم”، موضحة أن الأمر نتج عن توقف مؤقت لإحدى الشركات الوطنية بسبب أشغال التوسعة، وأن الوكالة المغربية للأدوية عملت على مواكبة الشركات من أجل استعادة وتيرة الإنتاج.
وأكدت الوزارة أن منح التراخيص المؤقتة لاستيراد المادة تم في إطار وضعية استثنائية، وأنها لا تخول امتيازات في الصفقات العمومية، مشددة على أن جميع طلبات العروض المرتبطة بالدواء جرت وفق المساطر القانونية المعمول بها.
ويبدو أن هذا الملف مرشح لمزيد من التفاعل السياسي خلال الأسابيع المقبلة، في ظل إصرار المعارضة على فتح تحقيق برلماني، وتمسك الحكومة بروايتها القانونية والتقنية، الأمر الذي يرسم ملامح مواجهة سياسية جديدة داخل المؤسسة التشريعية، ويعيد إلى الواجهة النقاش القديم–الجديد حول شفافية الصفقات العمومية وتدبير قطاع الصحة في المغرب.