د. حسن عبيابة
كتبت الصحفية الفرنسية “نتاشا بولوني” في صحيفة “لوفيغارو” نهاية شهر دجنبر 2017، عنوان في غاية الأهمية والأمل معا العنوان كان بالصيغة التالية “فرنسا لازالت تعتقد أن كل شيء ممكن”، وقد أثارني هذا العنوان ومضمون المقال الذي كان يتحدث عن تقييم الحكومة الفرنسية خلال الأشهر الماضية في عهد الرئيس الفرنسي الحالي ايمنويل ماكرون مما جعلني أقف عند العديد من القضايا الفرنسية وربطها بما يجري بالمغرب، حيث تحاول الحكومة الفرنسية، ومن ورائها فرنسا العميقة وفي سباق مع الزمن، أن تحقق شيئا على أرض الواقع في أقرب وقت لإقناع الفرنسيين بجدوى البرامج الحكومية وإعادة الثقة في الفاعلين السياسيين وليس في الأحزاب السياسية، بل إن كل وزير فرنسي يشرح ما يعمل في مكتبه ويتكلم في البرلمان عن برامجه ويوضح في وسائل الإعلام ما يقوم به من تنفيذ للبرنامج الحكومة معتمدا البراغماتية ولغة الإنجاز ومستعدا في كل وقت إلى لغة المحاسبة بحيث أصبح الزمان السياسي هو المحدد للتنمية لمواجهة التحديات.
وقد أثارني هذا العنوان المتشبث بالأمل في التغلب على كل الصعوبات لإعطاء إشارة اطمئنان إلى الشعب الفرنسي لكي يطمئن على فرنسا ببعدها التاريخي والحضاري والسياسي والاقتصادي لبقائها في صدارة الدول المتقدمة اقتصاديا والفاعلة سياسيا في التوازن الجيو-استراتيجي في العالم.
ونحن كذلك، يمكن أن نقول كل شيء ممكن في المغرب ليكون المكان الذي نريده كشعب وكمواطنين، ويمكن أن نقول إن كل شيء ممكن في إطار الممكن أيضا يبقى السؤال المطروح هو ما هي السبل والطرق الممكنة المؤدية إلى المغرب الممكن والتنمية الممكنة والديمقراطية الممكنة والحياة الاجتماعية الممكنة.
فالمغرب ليس في حاجة إلى حرب الأشباح وحروب الطواحين الهوائية والانشغال بالحروب الصغيرة المسلية والمفتعلة أحيانا بقدر ما هو محتاج إلى محاربة الجهل والفقر والبطالة والبحث عن نموذج اقتصادي جديد يوفر العدالة الاجتماعية والاقتصادية ويساعد على توزيع الثروة على قاعدة الوفاء بالحقوق والواجبات الاقتصادية والاجتماعية من الجميع حتى تكون الفئة المتوسطة تساوى 65 بالمائة من المجتمع فأكثر في السنوات العشر المقبلة وحتى تتمكن الحكومة الحالية والحكومات القادمة من ضبط مؤشرات النمو والبطالة والتضخم واستقرار المؤشرات الإيجابية التي تضمن الأمن والاستقرار وفق التنمية الممكنة.
إن التعامل مع المرحلة يتطلب نوعا من الذكاء والحذر في نفس الوقت وليس بلغة اليأس والعدمية، ولكن في الوقت نفسه ليس بلغة تجعل من التنمية شبحا خياليا روائيا، لأن الشعوب لا يمكن أن تتقدم إلا بالعمل الممكن والتعامل الجاد مع الواقع الحقيقي وليس مع الواقع الافتراضي، لأن المفاجآت غير السارة أصبحت ممكنة في كل وقت وقد يصعب ضبطها أو التحكم فيها أحيانا ولذلك فغياب الخطاب السياسي المطمئن والمقنع تنمويا من الأحزاب ومن بعض المؤسسات هو تواطؤ غير مباشر مع من يتصيد عيوب المرحلة لأهداف خاصة.
إن فرنسا مثلا بديمقراطيتها ومؤسساتها تعيش مرحلة صعبة مع التراجعات الاقتصادية والاجتماعية وإن كانت بالصيغة الأوروبية وليس بالصيغة العربية أو الإفريقية، ولكنها لا تزال تعتقد أن كل شيء ممكن في المستقبل رغم وجود العديد من العدميين فيها.
وقد ابتكرت فرنسا نموذجا حزبيا وسياسيا جديدا أنهى تماما مع مرحلة الأحزاب المقدسة ذات الأفكار المتجاوزة وفتحت مرحلة جديدة عنوانها الاقتصاد أولا ثم السياسية ثانيا في تصور عملي وإصلاحي واقعي تجاوبا مع احتياجات المواطن الفرنسي الذي أصبح يطالب بالحقوق الاقتصادية أكثر من الحقوق السياسية.
ونحن في المغرب لازلنا نرهن بلدا بكامله بأحزاب بعينها ثبت أنها لم تنتج فكرا ولا اقتصادا في الماضي ولن تنتج شيئاً في المستقبل، بل إن الأفكار التي تروج لها بعض الأحزاب أصبحت متجاوزة محليا ودوليا ومضيعة للوقت في نقاشات عمومية ظاهرها البحث عن المصلحة العامة وباطنها البحث عن مصالح خاصة.
إن الوصول إلى المغرب الممكن يكمن في فتح المجال للجميع وعدم خوصصة الرأي العام وعدم خوصصة المؤسسات وإشراك الجميع في المغرب الممكن.
إننا ودعنا السنة الماضية 2017، ولم نودع المشاكل المطروحة في أكثر من مجال وتنتظرنا سنوات قادمة حاسمة للبحث بكل الأدوات القانونية والآليات الدستورية الممكنة لخلق رأي عام وطني يؤمن بالمغرب الممكن بدل الأفكار الافتراضية الماضية التي تخلصت منها كثير من الدول الديمقراطية يبقى السؤال المطروح علينا جميعا هو البحث عن المغرب الممكن مع من؟.