حوار/ عصام حجلي
قال ذ . محمد السعيدي لــــــجريدة ” الملاحظ جونال ” : ” أميل إلى الكتابات التي تمتح من القديم لتشكل نصوصا نابضة بالنفس الجديد“.
للذكريات أثر جميل في حياة أي منا، هي بداية الحلم الذي يورق أفكارا تظل في الذهن فترة من الزمن، لتصير واقعا ملموسا. البدايات محطة أساس في خوض تجارب الحياة، و ركوب مسارها المسجور بالتجارب. يقول الإمام أحمد بن عطاء الله السكندري” … من أشرقت بدايته أشرقت نهايته”، فعديدة هي الأسماء التي آمنت بذاتها، وكانت تعطي إشارات مضيئة أنها في الطريق الصحيح لخوض غمار العلم والمعرفة.
محمد السعيدي، الباحث والأستاذ من بين الأسماء التي رسمت خارطة الكتابة الإبداعية التقته جريدة ” الملاحظ جورنال “، وطرحت عليه من خلال هذه النافذة مجموعة من الأسئلة لها علاقة بسؤال البدايات والروافد والمؤثرات ومكان النشأة وخصوصياته المميزة وتخصصه الجامعي وأمور وقضايا أخرى، فكان لنا معه الحوار التالي:
مرحبا بكم أستاذ “محمد السعيدي” في هذه النافذة الحوارية التي تهتم بالشأن الفني والثقافي والفني والتربوي والاجتماعي.
- نبدأ بالسؤال الكلاسيكي. من يكون محمد السعيدي؟
أولا أود أن أشكر صديقي العزيز. أستاذ اللغة العربية والصحفي ” عصام حجلي” على هذا اللقاء الذي خصنا به في هذه الجريدة التي تهتم بالشأن الثقافي والفني “.محمد السعيدي أستاذ اللغة العربية بالثانوي التأهيلي، من مواليد 1990 بالسفلات الراشيدية، حاصل على شهادة الإجازة تخصص آداب بالكلية المتعددة التخصصات – الراشيدية – . انتقلت إلى مدينة مكناسة الزيتون كما يسميها أحد أساتذتي الذين درست على يدهم لمدة سنتين في ماستر الأدب والجماليات(2012-2014). في نفس السنة ترشحت في مدينة القنيطرة وتم قبول مشروع الدكتوراه حول موضوع ” المقامات …. ”
- كيف تنظرون إلى وضع القراءة في المغرب
دائما ما نتحدث في محافل ثقافية وفكرية عن سؤال القراءة، ويكون الجواب أن المغرب بصفة عامة من البلدان التي لا تقدر الكِتاب. أظن أن هذه الصيغة جاهزة وأي شخص يستطيع أن يتلفظ بهذه العبارات التي لا تضيف أي شيء.
- من خلال اللقاءات المتواصلة التي جمعتنا بكم . وبمجرد طرح سؤال القراءة: الواقع والمآل، وربطه بالمنظومة التعليمية في بلادنا نلحظ تريثا وبرودة شديدة أثناء الكلام؟
قبل أن نجيب عن سؤال القراءة ” الواقع والمآل في المدرسة العمومية“ يمكن تقديم السؤال بصيغة أخرى: كيف ينبغي أن نقرأ”؟ ماهي شروط ومقاييس القراءة الجيدة؟. بطبيعة الحال الكل يحاول أن يقدم وجهة نظره لنص معين، والقارئ دائما ما يتسلح بخلفية معينة، لكن أليست القراءة بحد ذاتها هي تضييع للمعنى، وتقويل المؤلف ما لم يرد قوله ” القراءة خيانة للمعنى في كثير من الأحيان”.
- من يتحمل المسؤولية في آخر المطاف؟
في أحد الكتب يشبه عبد الفتاح كليطو القارئ بِبْرُوكِسْت. وبروكست هذا قاطع طريق يوناني كان يعذب ضحاياه بطريقة فريدة من نوعها: كان له فراشان: فراش كبير وفراش صغير. فكان يطرح المسافرين الطويلي القامة على الفراش الصغير والمسافرين القصيري القامة على الفراش الكبير. ثم يعمد إلى أرجل الطويلي القامة فيقطعها لأنها تتعدى الفراش الصغير. أما القصيري القامة فكان يجذب أرجلهم وأيديهم حتى يكونوا تماما على قد الفراش الكبير…
- كيف كان أول اتصال لكم بالكتاب؟
درسنا على يد نخبة من الأساتذة الذين كان ومازال لهم الفضل الكثير في حفزنا على التواصل مع الكتاب. والذين كان همهم الأساس هو دفع المتعلم إلى مستنقع القراءة .
- ما هو شعوركم بعد قراءة مؤَلَفٍ ما؟
القراءة رهبة، ودهشة، ورغبة؛ رهبة لأنك تدلف إلى عالم مجهول، ودهشة لأن الذات تتطلع إلى اكتشاف عوالم جديدة، ورغبة في اغتراف من ينبوع كتاب جديد.” مع الكتاب نحيا حيوات أخرى قد نتوقعها أو لا نتوقعها”.
- إذا لفعل القراءة علاقة بالمتعة؟
رولان بارت لديه كتاب ” لذة النص”. بالفعل الكتاب يقدم إغراء ولذة في نفس الوقت، خصوصا إذا خط الكاتب أو الشاعر طريقة جديدة في الكتابة؛ في الثقافة العربية هناك قصائد كثيرة تحضر فيها مثل هذه الألفاظ هذا الأمر يذكرني بصاحب المقدمة الخمرية ” دع عندك لومي فإن اللوم إغراء””” وداوني بالتي كانت هي الداء”.
- أبو نواس؟
من يدري لعل الشاعر يتحدث عن فعل الكتابة. لأن الانتقال من مقدمة إلى أخرى من الصعب أن يكون اعتباطيا.
- ربطتم فعل القراءة باللذة، بل عدتم بنا إلى ثنايا التراث العربي. هل هناك علاقة بين القراءة والكتابة؟
تتولد الكتابة عن فعل القراءة . الشاعر العربي كان يحفظ ألف بيت ثم ينساها برهة من الزمن. ثم يعيد الكتابة من جديد.
- كيف نخدم التراث العربي؟
عن طريق إعادة القراءة. إذا عدنا إلى كتابات “عبد الفتاح كليطو” هذا القارئ النادر في الثقافة العربي نجده يكتب نصوصا موازية، بطريقة حكائية. عندما يقرأ المقامات على سبيل المثال تحس أنه ينسج نصوصا، بل ويضيف مقامات أخرى للتي خطها أصحاب المقامات.
- هل هناك قراء كثر في المغرب؟
يصعب الإجابة قد نقول إن هناك نصوص متاحة لكن تحتاج إلى قراء من طينة عبد الفتاح كليطو، وعبد الله العروي ومحمد عابد الجابري.
- هل يمكنكم أن تحددوا نوع الكتب التي تميلون إلى قراءتها؟
الأدب العربي يحفل بالجميل . لكنني أميل إلى الكتابات التي تمتح من القديم لتشكل نصوصا نابضة بالنفس الجديد .
- ألا تطنون أن التراث العربي صار عملة مسكوكة. بمعنى آخر أغلب القضايا تم طرقها، حتى إن الكاتب لا يستطيع أن يضيف أي شيء؟
التراث معين لا ينضب. لابد أن نسهم في تحيين النصوص التراثية بطرق ومنهجيات تخدم النص وتكشف بعض أسراره، نكشف لغز النص لكي يبوح بأسراره .
- بم أنكم تدرسون بعض النصوص التراثية من مقامة وخطبة ورسائل وشعر قديم. كيف تجدون تفاعل المتعلم مع هذه النصوص؟
قبل الإجابة لا بد من ربط عملية التدريس بالمحيط. بالنظر إلى الذائقة الفنية والنقدية على حد سواء يتضح ميول شديد إلى المبتذل. في الفن على وجه الخصوص، تكاد لا تسمع كلمات ذات معني يستأثر الذات ويدفعها إلى التفكير.
- وظفتم لفظ فن هل قصدتم به ” فن الموسيقى”؟
طبعا، الفن تربية على حب الجميل، الفن قيم وأخلاق.
- هل هذا هو السبب الوحيد في العزوف عن القراءة؟
يرتبط التعلم بذهن المتعلم دائما بسوق الشغل، غياب الحافز من أهم الأسباب التي تدفع المتعلم إلى عدم الاستجابة داخل الفصل الدراسي.
- لعل ما ذكرتم سبب من الأسباب الكثيرة؟
نعم. لكنه بالنسبة إلي أهم سبب. هناك المحتوى الديداكتيكي القديم الذي لا ينسجم مع روح العصر. في بعض الأحيان نسمع سؤالا أو أسئلة من التلاميذ: لماذا ندرس قصائد ذات ألفاظ حوشية؟ فيم ستفيد ألفاظ مثل البيداء، أو الفيافي. إذا تحدثت الآن إلى صديق ما وسألني أين كنت؟ وقلت له: في البيداء. هل يستسيغ هذا الأمر!!!
تحدثتم عن ضرورة انسجام ما يقرأ مع الحياة. كيف وجدتم وتيرة الحياة في الدار البيضاء مقارنة بمحطات حياتكم الدراسية؟
وثيرة الحياة في المدن الكبرى أكثر تعقيدا؛ هناك اختلاف ملحوظ بين المدن التي شغفتني علما. مدينة الراشيدية رغم بعدها الجغرافي تظل مدينة هادئة وجميلة فيها تلحظ احترام تام للإنسان في سنة 2011 على ما أظن كنت أتحدث إلى أستاذ عزيز على القلب ” البشير التهالي” الآن يدرس بأكادير قال بهذا اللفظ هنا المكان الحقيقي لاحترام الإنسان . مكناس ” حلم العودة الأبدي”. القنيطرة ثم الرباط محطات عبور نحو الهدف المنشود. الدار البيضاء حب ما زال يتشكل.
- ثلاثة أسماء تود أن تشكرها على جهدها في هذه الحياة؟
الأم ( الودغيري الحسنية) المصباح الذي ينير طريق حياتي. الأب( محمد السعيدي) الذي يقدم دائما النصح والإرشاد دون كلل أو ملل، المحيط (إخوتي -أساتذتي – أفراد عائلتي- أصدقائي في المسار العلمي).