بمُناسبة مرور سنة على الولاية الرابعة للرجل المريض على رأس هرم السلطة في الجزائر، صدر كتابٌ فرنسي جديد يسلطُ الضوء تفاصيل مثيرة حول عالم الفساد المستشري في النظام الجزائر، وتورُّط رموز كبيرة في السلطة في ملفات فساد وعمولات مشبوهة.
50 مليار يورو مهربة
وكشف كتاب “باريس والجزائر.. قصة حميمية” للصحفييْن الفرنسييْن كريستوف دوبوا وماري كريستيان تابيت، الذي صدر منتصفَ أبريل الجاري بباريس، عن تحويل مسؤولين جزائريين مبلغ بقيمة 50 مليار يورو في شكل استثمارات ومدخرات وعقارات في أرقى الأحياء الباريسية والمدن الفرنسية.
في هذا السياق، ينوي عدد من الناشطين الجزائريين في فرنسا، تقديمَ شكاوى قضائية ضد البنوك الفرنسية التي فتحت حساباتها لمدخرين جزائريين دون مساءلتهم عن مصدر ثرواتهم، سيما وأن أغلبهم شخصيات بارزة في الدولة الجزائرية.
وقال عبد الرحمن دحمان، المستشار السابق للرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، إنه بصدد مقاضاة عدد من البنوك الفرنسية، لعدم تطبيقها شرط الكشف عن مصدر الثروة، على الأسماء التي وردت في الكتاب، مستغربا إيداع هؤلاء لأموال طائلة دون أيّ مساءلة من البنوك الفرنسية أو المصالح المختصة.
وأضاف دحمان سمح لي عملي مع ساركوزي بالاطلاع على الكثير من الخفايا، سأتخذ من الكتاب مرجعا لدعواي ضد البنوك الفرنسية، لأنها قبلت أموالا مشبوهة وغفلت عن تطبيق القانون، وإذا كان لسلطتيْ البلدين رأي آخر فلتكشف عنه للرأي العام، وتوضح حقيقة الوقائع والشخصيات التي وردت أسماؤها في الكتاب.
واقع الفساد في دولة بوتفليقة
ويتجه ناشطون آخرون، على رأسهم الإعلامي والضابط الاستخباراتي المعارض الجزائري هشام عبود، للقضاء الفرنسي لرفع دعوى ضد البنوك الفرنسية، وهي الخطوة التي سبق أن أقدم عليها مرشح الرئاسيات السابقة رشيد نقّاز، حين اتهم الأمين العام الحالي لحزب جبهة التحرير (الحاكم في الجزائر) عمار سعداني، بتهمة تبييض الأموال والربح غير المشروع.
وأشار الكتاب الفرنسي الجديد إلى أن السلطات الجزائرية تتقرب من نظيرتها الفرنسية، وأن بوتفليقة لا يتوانى عن إبراز ما أسماه بـ”حب الجزائريين لفرنسا والإشادة بالعلاقات الثنائية بين البلدين”، واستعداده لإرضائهم بشتى الوسائل بما فيها مفاضلة الشركات الفرنسية، وبناء مصنع “رونو” في مدينة وهران رغم افتقاده للجدوى الاقتصادية والاستراتيجية.
وكشف عن مدخرات وعقارات ومصالح مالية في أرقى الأحياء والمدن الفرنسية، يمتلكها العديد من الشخصيات السابقة والحالية في السلطة، وذكر عائلة الوزير الأول عبدالمالك سلال، ووزير الصناعة والمناجم الحالي عبد السلام بوشوارب، والوزير السابق للصناعة شريف رحماني، ووزير المجاهدين (قدماء المحاربين) محمد الشريف عباس، والرجل الأول في الحزب الحاكم عمار سعداني.
بداية القصّة..
وأرجع الصحفيان العاملان في القناة الفرنسية الأولى بداية “القصة الحميمية” إلى العام 2006، حين حمّل الرئيس الفرنسي الحالي فرانسوا هولاند خلال سباق الرئاسيات سلفه نيكولا ساركوزي مسؤولية جمود العلاقات مع الجزائر، وكانت أول وجهة له في المنطقة بعد دخوله قصر الإليزيه هي الجزائر، وحظي حينها باستقبال شعبي ورسمي لافت.
وعاد الكتاب إلى بدايات حكم بوتفليقة، بالقو في سنة 2000، اقترح بوتفليقة على “الفتى الذهبي” آنذاك، صاحب المجمع المنهار عبد المؤمن خليفة، إنشاء قناة تلفزيونية في فرنسا بمساعدة الحكومة الجزائرية، واشترط أن يكون ضمن الطاقم الإداري والصحفي كفاءات فرنسية، وهو ما كلفه النهاية التراجيدية للمجمع ولشخصه وأوقعه تحت طائلة المطاردة والقضاء والسجون.