عبد الرزاق أبوطاوس
تقبل المناظرة الوطنية الأولى حول الجهوية المتقدمة، التي يحصل ترتيبها تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، من قبل وزارة الداخلية بشراكة مع “جمعية جهات المغرب”، وانطلقت أعمالها الجمعة 20 دجنبر هذه السنة (2019) بمدينة أكادير، على مقابلة العناصر المبطئة والمتأخرة بإتمام استقامة ورش “الجهوية المتقدمة” على المستوى الإجرائي الذي ظل منذ الإعلان عن ابتداء الورش في العام 2015، كما مراهنة الإنجاز الفعلي الذي يجعل من التنزيل قابلا للتطبيق وتسديد ممارسة الإختصاصات بين الحكومة التي تتنازل في إطاره الحكومة عن جزء من الصلاحيات لمنفعة الجهات المكونة للوحدة الترابية للمملكة، لتعزيز حظوظ التدبير التشاركي للنهوض بالتنمية الجهوية من خلال اعتماد سياسات محلية تراهن على تأهيل الموارد الإقتصادية وتحفيز نفس الموارد الإقتصادية في الأنشطة الإجتماعية بتثبيت من الخصوصية المحلية المميزة للأقاليم باعتبارها وحدات ترابية مندمجة في الجهة، ويشاء منه (الإندماج) تحقيق اكتفاء التنويع لمصادر الثروة الجهوية، وبالتالي إحداث قدر من التوازن في الموارد الإقتصادية بغاية الوصول إلى تحقيق تنمية اجتماعية بين الجهات وتحريرها من التبعية الشاملة في البرمجة للمشاريع المدرة للمركز، وتحسين مردودية القطاع العام في إطار الحكامة التشاركية بين المؤسسة المنتخبة التي تنازلت لمنفعتها الحكومة عن جزء من اختصاصاتها والحكومة.
المناظرة الوطنية الأولى حول الجهوية المتقدمة، التي انطلقت نفس الجمعة 20 دجنبر نفس السنة 2019 بمدينة أكادير، وعرفت بحسب المعلن عنه أمام انعقادها مشاركة ما يربو عن 1400 مشارك (منتخبون- ممثلو قطاعات وزارية- ممثلو مؤسسات دستورية- مؤسسات عمومية- جامعيون- خبراء وطنيين ودوليين- مجتمع مدني “ممثلو الهيئات الإستشارية لدى مجالس الجهات”)، تأتي سنة ونيف عن التقارير المرحلية لفواعل إعلامية، ومنتديات وطنية (منتدى الوطنيين)، ندوة جهة الدار البيضاء- سطات، وذهبت إلى وصف الحصيلة التي ترتبت عن تطبيق الجهوية المتقدمة (ضعيفة)، وحاولت أن تبحث في العناصر التي لم تسمح بتطبيق ورش الجهوية المتقدمة أو تنزيله بالوضع السليم، باعتباره إرادة ملكية استراتيجية ومستجيبة للحظة التاريخية التي اندرج في سياقها “ورش الجهوية المتقدمة”، بأعمدة هذه اللحظة التاريخية المنصرفة نحو “الإصلاح” و “الدمقرطة” و “التحديث” و “التنمية البشرية”، وتماثلها مع الرؤية الملكية في إحداث “التغيير” الذي اقترن بتوجهات ملكية فعلية من خلال الإنتقال (علاقات السلطة العمودية) القائمة على مفهوم (الوصاية) إلى مفهوم (العلاقات التشاركية) الذي أسس عليه جلالة الملك محمد السادس المفهوم الجديد للسلطة، والذي على مستوى التدبير الإداري يتطابق ويتلائم مع الرؤية الملكية في استثمار نظام الجهوية في إطار الوحدة الترابية للمملكة، باعتباره “خيارا” حركيا للتكامل في تجسيد المفهوم الجديد للسلطة الذي يتخذ من التعاون والتشاور بين الفاعل الجهوي (منتخبون- مجتمع مدني) والحكومة تصور العملية التنموية المحلية، ويرتفع بهما إلى أساسيات “للتشاركية” بين الفاعلين، وتحتفظ في أثناءها الدولة بضمانات السيادة للقانون وأولوية السياسات الوطنية، وترشيد النفقات وحماية المال العام.
إن ما يمكن تعريفه “نكوصا” في تطبيق الجهوية المتقدمة بحسب ما تذهب إليه نفس التقارير المرحلية (الإعلامية ولمنتدى الوطنيين وندوة جهة الدار البيضاء- سطات)، عرفته في (الإطار القانوني) الذي وصفته (ضعيفا)، يفتقد للتماسك ويوفق بين المهام والموارد البشرية والمالية المذخرة لها، وهما شرطان يعتبرهما التقرير الذي أنجزاه الباحثتان الألمانيتان “أنابيل هودريت-وأستريد هارنيش” في فبراير العام الماضي 2018، واهتم بالمرحلة بين 2015- 2017، وشمل مراجعة للأدبيات العلمية المتعلقة بالموضوع، وقراءة في الجرائد ووسائل الإعلام المحلية، إضافة إلى إجراء مقابلات مع خبراء وصناع القرار وممثلين محليين لوكالة التعاون والتنمية، في الرباط وفي جهة سوس ماسة، بحسب مصدر المعلومات “تافرا- tafra”(لم تتم الاستجابة لهما. فالقوانين الأساسية المعتمدة في 2015 ليست واضحة بما يكفي فيما يخص تحديد صلاحيات كل مستوى؛ وإذا كان الدستور ينص على مبدأ التفريع، ما من شيء يحدد بدقة تقاسم المسؤوليات والإختصاصات والموارد على المستويين العمودي والأفقي، كما يدل على ذلك الغموض الذي يلف ذكر الإختصاصات الذاتية والمشتركة والمنقولة في القوانين التنظيمية)، وفي اقتراب من نتائج ما توصلت إليه الباحثتين الألمانيتين “هودريت-وهارنيش” حول نفس هذا المستوى القانوني يذهب رئيس جهة الدار البيضاء – سطات، مصطفى باكوري، رئيس مجلس جهة الدار البيضاء- سطات، خلال الندوة التي نظمها في شهر شتنبر/سبتمبر العام الماضي 2018، نفس مجلس جهة الدار البيضاء- سطات، في موضوع “الجهوية المتقدمة في المغرب… الواقع والآفاق”، حيث أرجع تأخر حصيلة التطبيق إلى (تأخر صدور القوانين التطبيقية، والتعثر في تشكيل الحكومة) لأزيد من نصف سنة، و(تأخر كثير من المؤسسات المعنية بتطبيق الجهوية لالتزاماتها في هذا الشأن، لاعتبارات متعددة، ضمنها ضعف الإمكانيات المالية والبشرية)، خصوصا، وأن جلالة الملك قد اعترض لورش الجهوية المتقدمة باعتباره ورشا استراتيجيا في أكثر من 10 خطابات، ضمنها أول خطاب وجهه جلالته إلى المغاربة عقب تولي جلالته حكم المملكة، وتنصيص دستور المملكة المصوت عليه في الفاتح (1) من يونيه من العام 2011 في فقرته الأولى، كما أفاد حينها بذلك رئيس مجلس جهة الدار البيضاء- سطات قبل سنة.
إلى هذا المعطى، أضافت الباحثتين “هودريت-وهارنيش”، “ضعف الموارد المالية والتقنية”، وارتأتا من خلال نفس التقرير، بأن (الجماعات الترابية في المغرب تظل بعيدة عن الوصول إلى الإمكانيات الضرورية، حتى وإن أخذنا بعين الإعتبار مواردها الغنية نسبيا. وعليه، فإن 5% فقط من الناتج المحلي الإجمالي المغربي يخصص للمؤسسات الحكومية المحلية، مقارنة بنسبة 20% في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية)؛ وقالتا بأن الجماعات التي أحرزت (بعض التقدم في تصميم خطط التنمية التشاركية )، مازالت ( تقتصر على دور يغلب عليه طابع التقنية، ويجب عليها أن تضع خطط عمل جماعية من أجل تنفيذ الاستراتيجيات اللازم تطويرها على الصعيد الجهوي)؛ وفي ما عرفتا المعطى الثالث في قالتا عنه (ضعف المحاسبة) التي تتم في خلاصة تقريرهما من خلال آليتين، الإنتخاب غير المباشر لرؤساء مجالس الجماعات والعمالات والجهات، والذي بتقديرهما التقريري (يشوش على العلاقة التي تربط بين الناخبين والمنتخَبين)، وإلى ما نعتتاه (“الثنائية الصامدة” التي تتكون من المسئولين المنتخبين وأعوان السلطة، حيث إن جميع القرارات المالية وتقريباً كامل العملية الإدارية لمختلف الجماعات الترابية يجب أن يتحقق منها الممثل المحلي لوزارة الداخلية، “الوالي”)، مع الإشارة من لدن الباحثتين الألمانيتين “هودريت-وهارنيش”، بأن (إصلاح سنة 2015 قد حول “وصاية” وزارة الداخلية إلى “رقابة إدارية”، لكن هذه الأخيرة لا تخضع للمحاسبة عن طريق صناديق الاقتراع).
لذلك،قد يكون من شأن هذه العناصر العميقة في الحصيلة المترتبة بعد أربع (4) سنوات عن تطبيق الجهوية المتقدمة بالمغرب، أن تتجه المناظرة الوطنية الأولى حول الجهوية المتقدمة بالمغرب، إلى تكريس الإهتمام بالجانب الإجرائي أكثر من المستوى الموضوعي في التجربة، من خلال “الإطار التوجيهي” الذي يرمي إلى إلقاء مسح ضوئي لإجراءات الإختصاصات أمام إمعان ضبط أحكام الفعالية الإدارية في أداء النظام الإجمالي الذي يمكن أن تكون المناظرة الأولى حول الجهوية المتقدمة بمدينة أكادير قد أجرت عليه مراجعة من خلال التدقيق التحليلي لبيانات التدقيق التمهيدي الذي تناولته التقارير المرحلية غير الرسمية التي كشفت عن عناصر البطء والتأخر في تطبيق الجهوية المتقدمة بالمغرب، نجو (المرور إلى التفعيل) بتعبير رئيس جمعية جهات المغرب، “امخند العنصر”، خلال الجلسة الإفتتاحية للمناظرة، والذي اعتبر “الإطار التوجيهي” بمثابة “منهجية تشاركية” تستفيد من الجرص الملكي السديد على تجسيد رؤية الإصلاح والتحديث وبلورة نموذج تنموي جديد، حيث سبق لجلالة الملك محمد السادس أن وطد العزم على “المقاربة التشاركية” في العديد من الخطب السامية، كان آخرها خطاب جلالته في الذكرى 66 لثورة الملك والشعب (20 غشت 2019)، بالقول الرشيد “لقد حرصنا على جعل المواطن المغربي في صلب عملية التنمية، والغاية الأساسية منها. واعتمدنا دائما مقاربة تشاركية وإدماجية في معالجة القضايا الكبرى للبلاد، تنخرط فيها جميع القوى الحية للأمة. وهذا ما نتوخاه من إحداث اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي؛ التي سنكلفها، قريبا، بالانكباب على هذا الموضوع المصيري”؛ انتهى النطق المولوي السامي.