قرر أبناء الصحافي السعودي جمال خاشقجي الذي قتل في قنصلية المملكة بإسطنبول في الثاني من تشرين الأول/أكتوبر 2018، “العفو” عن قتلة والدهم بعد نحو خمسة أشهر على صدور أحكام بالإعدام والسجن في القضية التي أثارت إدانات دولية واسعة.
ونشر صلاح خاشقجي في تغريدة على حسابه في تويتر الجمعة بيانا مقتضبا جاء فيه “نعلن نحن أبناء الشهيد جمال خاشقجي أنّا عفونا عن من قتل والدنا”.
وقتل خاشقجي الذي كان ينشر في صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية مقالات ناقدة لسياسات ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، في القنصلية في الثاني من تشرين الأول/أكتوبر 2018.
جدل كبير
وكانت قد أثارت القضية ردود فعل دولية مندّدة أضرّت بصورة المملكة وبولي العهد الشاب بشكل كبير خصوصا بعدما اتّضح أن جسد خاشقجي تعرّض للتقطيع بعد قتله. ولم يتم العثور على جثته بعد.
ولم يتضح على الفور تأثير العفو على مجرى القضية والأحكام التي صدرت فيها.
وفي كانون الأول/ديسمبر الماضي، أصدرت السلطات السعودية أحكاما بالإعدام على خمسة أشخاص وبالسجن على ثلاثة آخرين في قضية مقتل الصحافي، لكنّها قرّرت الإفراج عن نائب رئيس الاستخبارات السابق أحمد العسيري وعدم توجيه اتهام لسعود القحطاني المستشار المقرّب من ولي العهد.
وذكرت النيابة العامة أنّ التحقيقات أثبتت أنّ جريمة قتل الصحافي في قنصلية بلاده بإسطنبول، لم تتم بنية مسبقة، مشيرة إلى أن الأحكام الصادرة عن المحكمة الجزائية في الرياض يمكن أن تستأنف.
كما أعلنت تركيا في آذار/مارس الماضي توجيه اتهامات لعشرين سعودياً بينهم العسيري والقحطاني بختام تحقيق استمر أكثر من عام في قضية مقتل خاشقجي.
وذكر مكتب المدعي العام في إسطنبول أنه جرى إعداد قرار اتهامي، ما يمهد لبدء محاكمة بحق المتهمين لم يعلن تاريخ افتتاحها، علما أن السعودية رفضت تسليم تركيا المتورطين في القضية.
وجاء في تغريدة صلاح خاشقجي أن قرار العائلة يستند إلى آية قرآنية تشجّع على العفو.
إعدام القتلة
في نيسان/أبريل 2019، ذكرت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية أن أبناء خاشقجي تسلّموا منازل بملايين الدولارات كتعويضات ويتقاضون شهريًا آلاف الدولارات من السلطات السعوديّة. وأشارت إلى أنّ تلك المنازل تقع في جدّة في غرب السعوديّة، في مجمّع سكني واحد، وتبلغ قيمة كلّ منها أربعة ملايين دولار.
لكن عائلة الصحافي نفت وجود أي “تسوية” مع السلطات السعودية.
وكان صلاح خاشقجي دافع في تشرين الأول/أكتوير الماضي عن السلطات في المملكة، في الذكرى السنوية الأولى لمقتل والده، رافضا محاولات “استغلال” القضية “للنيل” من السعودية.
وكتب على تويتر “لدي مطلق الثقة في قضاء المملكة، في تحقيق العدالة كاملة بمرتكبي الجريمة النكراء”.
غير أنّ منظمات حقوقية شكّكت في نزاهة المحاكمة التي جرت في المملكة بعيدا عن الإعلام.
وأدى تصاعد الغضب الدولي إثر مقتل خاشقجي إلى مواجهة الأمير محمد بن سلمان عزلة، ووضعت سجل حقوق الإنسان في المملكة تحت المجهر وأساءت لصورة السعودية.
وسعى الأمير منذ ذلك الحين إلى إصلاح سمعته عبر إطلاق حملات علاقات عامة من أجل جذب المستثمرين الأجانب.
واعتبر الأمير محمد في تصريحات أدلى بها لشبكة “بي بي إس” التلفزيونية الأمريكية في ذكرى مقتل خاشقجي أنّ جريمة القتل وقعت خلال وجوده في سدة الحكم ما يضعه في موقع من يتحمّل المسؤولية، لكنه شدّد على أنّها تمت من دون علمه.
وصرح “لقد حدثت في عهدي (…) تُلقى علي المسؤولية لأنها حدثت في عهدي”.
وبحسب استنتاجات وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه)، فإن ولي العهد قد يكون هو من أمر بعملية القتل في القنصلية.
وخلصت أنييس كالامار، خبيرة حقوق الإنسان لدى الأمم المتحدة التي أجرت تحقيقاً مستقلاً في مقتل الصحافي السعودي الذي كان في السابق مقرّبا من دوائر الحكم في المملكة، إلى أن هناك “أدلة موثوقة” تشير إلى “المسؤولية القانونية لكبار المسؤولين السعوديين بمن فيهم ولي العهد السعودي” عن العملية.
ومن جانبه، قال نبيل نويرة الباحث في شؤون الخليج إنّه “وفقا للشريعة في السعودية، لن يتم إعدام القتلة” بعد العفو عنهم.
أ ف ب