بقلم:حسن الحماوي
المحمدية التي كانت تحمل اسم “فضالة”، تحولت إلى قطب لصناعة النفط والمواد الكيماوية، وانصهرت بسرعة فائقة في المحور الصناعي البرنوصي ـ عين السبع مشكلة معه أكبر شريط للمعامل والشركات الكبرى بين الدار البيضاء والقنيطرة، لكنها رغم كونها مدينة هادئة تتميز بشواطئها الجميلة وشوارعها الواسعة ووصفها بمدينة الزهور إلا أن خطر الثلوث أصبح يهددها، وأضحت مجالا لانبعاثات صادرة عن مداخن المحطة الحرارية سوداء اللون تغطي بكثافة المنطقة الصناعية للمحمدية، وهو ما يؤكد أنها غنية بالجزيئات الملوثة لهواء المحمدية والمناطق المجاورة، في حين يظل احتمال أن شركة البيتروكيماويات مسؤولة عن تلوث شواطئ المدينة باعتبار أنها الوحدة الصناعية الوحيدة التي كانت تصرف مقذوفاتها السائلة التي من المحتمل أن تحتوي على نسب كبيرة من الزئبق في مياه البحر.
في السابق، كانت تحمل اسم “فضالة” وابتداء من يوليوز عام 1960،أصبحت هذه المدينة المغربية الجميلة تحمل اسمها الجديد “المحمدية” نسبة إلى الملك المجاهد محمد الخامس الذي زارها آنذاك لتدشين بداية الأشغال في محطة “لاسمير” لتكرير البترول.
تقع المحمدية المعروفة أيضا بمدينة الزهور، في الواجهة الأطلسية بين العاصمة الإدارية الرباط والمدينة الاقتصادية الدارالبيضاء،.وشهدت في البداية تطورا صناعيا مهما ،حيث يصل تعداد سكانها إلى حوالي 500ألف نسمة، وبموازاة هذا النمو السكاني المضطرد، عرفت توسعا متواصلا على الصعيد العمراني امتد شرقا وشمالا.
تشتهر المحمدية بمينائها الذي تم إحداثه أساسا للصيد البحري عام 1913، و بعد بناء محطة التكرير “لاسمير” بها الذي أصبح أول ميناء بترولي بالمغرب، حيث يروج سنويا ما يعادل 10 ملايين طن من المحروقات أي ما يفوق 95% من حاجيات البلاد من المنتوجات البترولية.
المحمدية أيضا، تعتبر مركزا للتحصيل الأكاديمي فهي تستقطب العديد من المؤسسات التعليمية الجامعية المهمة ،نذكر منها كلية الآداب والعلوم الإنسانية، وكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية ،وكلية العلوم والتقنيات والمعهد العالي للتكنولوجيا التطبيقية للسياحة والفندقة وغيرها.
كما تنفرد هذه المدينة الشاطئية بموقع جغرافي متميز، ومناخ ملائم ومناظر طبيعية غنية ومتنوعة، مما جعلها قبلة سياحية وترفيهية تجذب السياح من داخل المغرب وخارجه، فهي تتوفر على حدائق وشواطئ رائعة مثل “مانيسمان ،ميموزا ،سابليت، ديفيد ” تعد محجا للمصطافين من الدار البيضاء والرباط والنواحي وغابات شاسعة “غابة 33″ وتشتهر بمطاعمها المتخصصة في إعداد أطباق شهية من فواكه البحر والسمك، كما أنها مدينة في تطور مستمر مما يجعلها نقطة استقطاب سياحي بامتياز نظرا لتوفرها على وحدات فندقية ممتازة ومشاريع ضخمة.”اكوا بارك ” و”مارينا ،” كما أنه تمت برمجة تهيئة خمس شواطئ في إطار برنامج مدينة زناتة. فقد أصبحت المحمدية الآن مركز استقطاب سياحي ينافس أكبر المنتجعات السياحية في المغرب. لاستفادتها من شواطئ تعد من أجمل شواطئ المغرب، ومرافق سياحية وإقامات فخمة وأحياء راقية تقطنها شخصيات مهمة على الصعيد الوطني كالسياسيين والفنانين ورجال الأعمال.
كما تشكل نقطة استقبال للعديد من محترفي وهواة الرياضات الأنيقة كالكولف والتنس و التزلج على الماء ورمي الحمام، حيث تتوفر على عدة أندية متخصصة :نادي الكولف الملكي يتوفر على 18 حفرة مساحته 47 هكتار مجانب للبحر.
النادي الملكي للتنس: بفضل ملاعبه الاثني عشرة يجعل من المحمدية وجهة مفضلة لمختلف المنافسات في رياضة التنس سواء على المستوى الوطني والدولي
نادي اليخت: يتوفر على قاعدة بحرية خاصة به وهو نادي فاخر، ينظم كل سنة عدة تظاهرات ومنافسات في رياضات التزلج المائي، والتزلج بالشراع و(الجيت سكي).
نادي الرماية الطائرة: مزود بنادي يتوفر على 3 خطوات للرماية ومجهز بآلات لإطلاق الصحون وآلات الهواء المضغوط لإطلاق الحمام، ينظم النادي مسابقات شهرية وتظاهرتين وطنيتين كل سنة..
النادي الملكي للفروسية لالة سكينة: شيد عام 1950، يمتد على مساحة 10 هكتارات يشهد سنويا مباريات رسمية للترويض والقفز على الحواجز، تشرف عليه الجامعة الملكية للفروسية
تعتبر المحمدية من أهم المدن الصناعية في المغرب، حيث تتواجد بها أكبر الشركات على الصعيدين الوطني و القاري، لهذا يعتبر البعض أن سكانها من ذوي الأعلى دخلا على الصعيد الوطني كما أن نسبة البطالة جد ضعيفة كونها تعد من المدن المستقبلة للهجرة الداخلية بالمغرب حيث يتوافد عليها العديد من سكان المملكة من الشمال والجنوب لتوفر مناصب الشغل بها التي توفرها كبريات الشركات العالمية والوطنية ولقربها ايضا من الدار البيضاء المدينة الاقتصادية بامتياز.
من حيث المجال الترابي فالمحمدية تتكون من باشويتين وسبع مقاطعات حضرية وثلاثة قيادات على مستوى العمالة. 5 جماعات جديدة وهي: عين حرودة، بني يخلف، الشلالات، سيدي موسى بن على، وسيدي موسى المجدوب .كما تعد عمالة مدينة المحمدية من أغنى العمالات المغربية نظرا لتواجد كبريات الشركات المغربية على ترابها مما يدر عليها من مداخيل هامة يجعلها من أغنى العمالات
ومن الناحية التاريخية فتتواجد بها منطقة عريقة تدعى
“القصبة” محاطة بسور كبير تضم حيا شعبيا مليئا بالمنازل القديمة كما تحتوي على مطاعم لبيع الأسماك ومطاعم لبيع الوجبات السريعة وحديقة يتوسطها مستوصف، هاته القصبة يتوافد إليها العديد من السياح سنويا وبها ثلاثة أبواب منها الرئيسي (باب القصبة) الذي كان قديما يغلق ليلا، باب الطرجمان الذي سمي بهذا الاسم نسبة إلى رجل وجد منزله قرب هذا الباب وآخرهم باب الجديد الذي بني حديثا وكانت هاته القصبة مقرا ومسكنا لليهود المغاربة خلال فترة الاستعمار.
مدينة المحمدية سميت بمدينة الزهور نسبة إلى احتواء كبريات شوارعها على أشجار النخيل الكثيفة، ونباتات مختلفة الألوان تؤثث أزقتها خصوصا في الجانب الشمالي الغربي القريب من الميناء. ومن أهم المناطق الجميلة التي تشتهر المحمدية بها حديقة “البارك” الشهيرة، والتي أصبحت تحمل اسم “حديقة الأمير مولاي الحسن”. في نونبر الماضي .هذه الحديقة تعتبر متنفسا طبيعيا لساكنتها وهي التي تشتمل على نباتات وأزهار مختلفة الألوان تزين جنبات شارع الزرقطوني، فهي فضاء واسع للسكان المدينة تشرف عليها شركة لاسمير وتحظى باهتمام بالغ يجعل منها حديقة خضراء يحج إليها كل زوار المدينة .
هذه المدينة، التي تلقب بمدينة الزهور، تعاني منذ سنوات من الثلوث الصناعي الناتج عن وجود شركة “لاسامير” لتكرير البترول، و المحطة الحرارية التابعة للمكتب الوطني للكهرباء، والتي تنشط في توليد الكهرباء من الفحم، فضلا عن شركات عديدة تتواجد بالشريط الساحلي تستخدم مواد كيماوية في أنشطتها” وأضحت تشكل خطرا على صحة المواطنين
ويذكر أحد الأطباء بالمحمدية أن الأمراض التنفسية بالمدينة هي الغالبة على بقية الأمراض الأخرى لدى الساكنة جراء تلوث المدينة بشكل كبير.
هذا ما دعا العديد من الجمعيات المحلية إلى إعداد تقارير عن تأثير الغازات التي تنبعث من الشركات الصناعية المتواجدة في الشريط الساحلي بين المحمدية وعين السبع، على صحة السكان بشكل سيء جدا، حيث إنه في حي واحد يوجد سبعة أشخاص أصيبوا بالشلل، فضلا عن إصابة آخرين بأمراض السرطان والربو والقصور الكلوي.
وفي هذا الإطار قال محمد غياث، مدير الموارد البشرية بشركة “سامير” في تصريحات صحافية سابقة “أن الشركة تقوم بمجهود كبير في مجال حماية البيئة، فقد انخرطت الشركة، في منظومة متكاملة تقوم على تحسين جودة منتجاتها عبر الانتقال إلى إنتاج البنزين الخالي من الرصاص والغازوال 10 بي بي إم عوض الغازوال 50 بي بي إم، إضافة إلى تحديث وعصرنة مصفاتها، وهو ما مكنها من تخفيض انبعاثاتها من ثاني أوكسيد الكبريت بحوالي 53 في المائة لتظل في مستويات منخفضة جدا تقل بكثير عن المعايير الوطنية التي تضعها وزارة البيئة.
وقال غياث: “إن النسبة المتبقية من ثاني أوكسيد الكبريت تخضع للمعالجة قبل تصريفها في الجو، وهو الأمر الذي تؤكده معطيات صادرة عن المختبر العمومي للتجارب والدراسات، حيث تشير جداول العينات التي قام بدراستها على مستوى الشركة إلى أن انبعاثات “سامير” تقتصر فقط على مستويات ضعيفة من ثاني أوكسيد الكبريت وكذا بخار الماء، ونسبة ضئيلة من ثاني أوكسيد الكاربون ناتجة عن وحدة حرق الوحل المتبقي من عملية تكرير النفط”.
وبالإضافة إلى وحدات معالجة الانبعاثات الغازية، تتوفر “سامير” على وحدة لمعالجة المقذوفات السائلة التي ترمي بها في البحر، وهي عبارة عن مياه معالجة مائة في المائة، وقد وضعت الشركة برنامجا من أجل إعادة استغلال هذه المياه مستقبلا.
ووفقا لدراسة أعدتها وزارة البيئة عام 2003 خلصت إلى ارتفاع نسبة التلوث من مستوى أدنى (1 ملغ من ثاني أوكسيد الكبريت في المتر المكعب من الهواء) إلى مستوى مرتفع (70.5 ملغ من ثاني أوكسيد الكبريت في المتر المكعب من الهواء)، مما يلاحظ معه ارتفاع مؤشرات حدوث نوبات الربو بـ 41.3 في المائة ومؤشرات حدوث الكحة الجافة الليلية بـ 53.9 في المائة.
وقد شكلت هذه الدراسة إقرارا ضمنيا من طرف وزارة البيئة بوجود مستويات مهمة من التلوث بمدينة المحمدية، غير أن عملية أخذ العينات، والتي تمت وسط المدينة بعيدا عن الوحدات الصناعية تؤكد أن مستويات التلوث قرب دواري “لشهب” و”وردة” ستكون أكبر بكثير، وهو الأمر الذي ستؤكده مضامين دراسة أنجزت من طرف مكتب الدراسات B2IS لفائدة المديرية العامة للمراقبة والوقاية من المخاطر، والتي لم يتم نشرها لحد الآن .
كانت مدينة المحمدية إلى حد قريب، مدينة هادئة لكن في السنوات الاخيرة ومع ازدياد العمران وتوسع مجالها ومع توافد اليد العاملة والاستقرار بها جعلتها تندرج في إطار المدن الكبرى، وحجت إليها جحافل من الباعة المتجولين حولت مدينة الزهور التي كانت في ما مضى قبلة للمشاهير وعشاق الرياضات الأنيقة، إلى امتداد طبيعي للمجال القروي المحيط بها الذي نقل إليها سلبياته.
ومع ازدياد هذه الظاهرة تجندت السلطات المحلية في أكثر من مناسبة لتنقية أطراف المدينة من كل الشوائب واسترجاع الفضاءات المستولى عليها.
كما هو الشأن بساحة مسجد مالي، الذي تشكل مركز حي “العاليا” والتي شهدت مقاومة كبيرة من أجل الاستمرار في احتلال الملك العمومي