لا يخفى على أحد، خصوصا دارسي التاريخ المتخصصين، أهمية معركة وادي المخازن في تاريخ المغرب، هي معركة كانت فعلا فاصلة في الحد من المد الصليبي وتراجعه القهقرى..معركة كان لها دور وفضل في رسم معالم المغرب المسلم الذي نعيش فيه الآن.
والاحتفاء بهذه الملحمة الخالدة التي تحل اليوم الأربعاء ذكراها الـ443، و تؤرخ لانتصار الشعب المغربي البطولي على المتربصين بأراضي المملكة، هو استحضار ملحمة بطولية تؤكد عزة نفس المغاربة قاطبة واستعدادهم الدائم للدفاع عن حوزة الوطن وإعلاء راية الإسلام و تلاحهم للذود عن حمى الوطن وسيادته ووحدته .
وتذكر كتابات المؤرخين أنه، عندما توفي عبد الله الغالب السعدي، أحد ملوك الأسرة السعدية، عام 1574، تولى ابنه محمد المتوكل مقاليد الحكم، وكان فظا مستبدا ظالما، قتل اثنين من إخوته عند وصوله إلى الحكم، وأمر بسجن آخر، فكرهته الرعية، فرأى عمه عبد الملك أنه أولى بالملك من ابن أخيه، فأضمر المتوكل الفتك بعميه عبد الملك وأحمد، ففرا منه مستنجدين بالعثمانيين، الذين كانوا موجودين بالجزائر، فاستطاعا الانتصار على المتوكل، الشيء الذي دفعه، هو الآخر، إلى الاستنجاد بالملك البرتغالي دون سيباستيان، حتى يساعده على استرداد ملكه.
وتشدد المصادر التاريخية على أن “الهوس الديني” كان مسيطرا على الملك البرتغالي الشاب، الذي كان يرغب في خوض حرب استرداد مسيحية في شواطئ الشمال الأفريقي، الشيء الذي دفعه إلى التشاور مع عدد من ملوك وأمراء أوروبا للسماح للمتطوعين بالانخراط في الجيش البرتغالي، والعمل على مده بالسفن لنقل قواته إلى شواطئ الضفة الجنوبية، فضلا عن المشاركة في نفقات الحملة.
ومن المفارقات، التي تثيرها كتابات المؤرخين، أن البرتغاليين اعتقدوا أنهم ذاهبون في نزهة إلى الشواطئ المغربية، الشيء الذي جعلهم يأخذون الأمر باستخفاف كبير، إلى درجة أن بعض الكتابات أكدت أن البرتغاليين “كانوا واثقين من انتصارهم السهل، حتى إن الصلبان كانت معدة لتعليقها على المساجد المغربية الكبيرة في فاس ومراكش، بل وضعت تصميمات لتحويل قبلة جامع القرويين الشهير إلى مذبح كنسي، وكانت بعض النساء البرتغاليات من الطبقة الراقية يرغبن في مصاحبة الجيش لمشاهدة المعركة، وكان بعض البرتغاليين يرتدون الثياب المزركشة المبهرة وكأنهم سيحضرون عرسا أو مهرجانا».
ستبحر سفن البرتغاليين من ميناء لشبونة، يوم 24 يونيو (حزيران) 1578، لترسو على شاطئ أصيلة، التي سيتم احتلالها بسهولة. وتتضارب المصادر في تحديد عدد أفراد الجيش البرتغالي، الذي قاده سيباستيان، ما بين 60 و100 ألف مقاتل.
على الجانب المغربي، سيضع السعديون خطة المواجهة على إطالة فترة بقاء القوات البرتغالية في الشاطئ وعدم تركهم يتوغلون في الأراضي المغربية، حتى يتسنى لهم تجميع قواتهم، قبل العمل على إغراء البرتغاليين بترك الشواطئ والتوغل في عمق الأراضي المغربية لإرهاقهم وإبعادهم عن مراكز تموينهم على الشاطئ الأطلسي.
ستنجح خطة السعديين في جر الجيش البرتغالي إلى سهل فسيح يسمى “القصر الكبير”، أو سهل “وادي المخازن”، بالقرب من نهر “لوكوس”، الذي كان يوجد جسر وحيد للعبور عبره. وكانت خطة عبد المالك، ملك السعديين، القتالية، تقوم على أن يجعل القوات البرتغالية تعبر الجسر إلى سهل “وادي المخازن”، قبل أن تقوم قوات خاصة من الجيش المغربي بتدمير هذا الجسر لقطع طريق العودة عليهم، ومن ثمة يكون النهر في ظهرهم أثناء القتال، بحيث لا يجد الجنود البرتغاليون غيره ليهرعوا إليه، عند اشتداد القتال، وهو ما يعني غرقهم الأكيد.
ويوم 4 غشت 1578، حين بدأ القتال، وكان شديدا، أصيب عبد المالك بمرض أقعده في الفراش، وقيل إن بعض الخدم، المحسوبين على المتوكل، دس له سما في طعامه.
وتتفق المصادر التاريخية على أن عبد المالك كان أوصى، وهو على فراش المرض، إن مات، أن يتم كتمان الخبر إلى حين الانتهاء من القتال، حتى لا يؤثر ذلك على معنويات الجنود المغاربة.
وهو ما وقع، إذ توفى، قبل انتهاء المعركة، ليعمل رجاله بوصيته، فتكتموا على الخبر. وحين بدأت بشائر النصر تلوح في الأفق للجيش المغربي، حاول البرتغاليون الهرب من أرض المعركة والعودة إلى أصيلة، لكنهم وجدوا أن جسر “وادي المخازن” قد دمر تماما فألقى الجنود ومعهم سيباستيان والمتوكل بأنفسهم في النهر، فقضوا جميعا غرقا، أما الباقون فقتلوا في ميدان المعركة أو أسروا. وهكذا، فقدت البرتغال في أقل من خمس ساعات ملكها وجيشها ورجال دولتها.