شهدت مدينة الداخلة، يوم الخميس 31 أبريل 2022، افتتاح المركز الدولي للأبحاث حول الوقاية من تجنيد الأطفال، وذلك بهدف الإسهام في مكافحة تجنيد الأطفال، من خلال نشر الأبحاث التي يقوم بها المركز وتوزيعها على نطاق واسع.
ويأتي افتتاح المغرب لهذا المركز، في سياق دولي محموما بالتوتر والنزاعات التي تشهد فيها الحروب استغلالا مفرطا للأطفال ، كما أن هذا المركز جاء في ظل ما تشهده علاقة المغرب من توتر مع الجارة الشرقية الجزائر، كما أنه يأتي في ظل التنديد الحقوقي الدولي بما تشهده مخيمات تندوف لجبهة البوليساريو من تجنيد للقاصرين واستغلالهم في النزاع المفتعل في ملف الصحراء المغربية، وهو ما يجعل خلفيات تأسيس هذا المركز ذات أبعاد مختلفة.
وفي هذا السياق، يرى الباحث والخبير في شؤون الصحراء، احمد نور الدين، أن “هذا المركز الدولي الذي تم تدشينه في مدينة الداخلة لحماية الأطفال من التجنيد في النزاعات المسلحة، له عدة أهداف استراتيجية”.
وأوضح نور الدين، في تصريحه لـ”آشكاين”، أنه “في مقدمة هذه الأهداف، الهدف الإنساني النبيل، وهو مساهمة المغرب على الصعيد الدولي في حماية الأطفال، والعمل على تنفيذ الاتفاقيات التي تحمي الأطفال، وعلى رأسها اتفاقية 1989 لحماية حقوق الأطفال، وبقية الترسانة القانونية الدولية، منها اتفاقية 1951 للاجئين التي تنص على حماية المدنيين أثناء النزاعات المسلحة، ومن ضمن السكان، الأطفال والنساء والشيوخ وغير المسلحين”.
موردا أنه “هذا المركز سيعمل على تكريس هذا المنحى الإنساني في حماية والدفاع عن الأطفال، وهو هدف نبيل في حد ذاته، ولكنه سيشتغل بشكل خاص على الأطفال المجندين المُستغَليِّن في نزاع الصحراء المغربية من خلال تجنيدهم من طرف الميليشيات الانفصالية أو ما يسمى جبهة البوليساريو”.
وشدد محدثنا على أن “جريمة تجنيد الأطفال في مخيمات تندوف يتحمل مسؤوليتها الكاملة النظام الجزائري، وبالتبَع الجبهة الانفصالية، لأن القوانين الدولية، كما أشرنا، ومنها اتفاقية جنيف للاجئين سنة 1951، تنص على أن الدولة المستضيفة للمخيمات هي التي تتحمل المسؤولية القانونية لما يجري في تلك المخيمات، وهي التي يحملها القانون الدولي حماية حقوق المدنيين، وعدم الاختلاط ما بين المسلحين والمدنيين والفصل بينهم، وإعطائهم العديد من الحقوق وعلى رأسها وضعية اللاجئ المنصوص عليها في الاتفاقيات ذات الصلة”.
وأكد البحث في قضايا الصحراء، على أن “هذا المركز سيسلط الضوء على الخروقات التي تتعرض لها حقوق الطفل في هذه المخيمات، ضمن خروقات أخرى للحقوق داخل هذه المخيمات”.
واعتبر المتحدث نفسه أن “هذا المركز بالنظر إلى تخصصه سيتكفل برصد وجمع المعطيات والمعلومات، واختيار موقعه بمدينة الداخلية داخل الأقاليم الجنوبية للمملكة ليس عبثيا، لما سيكون له من ميزة القرب من العائلات وأقارب هؤلاء الأطفال، لأن ساكنة المخيمات لهم عائلاتهم في إقليم الداخلة والسمارة والعيون وأوسرد، وغيرها من الأقاليم، ومن خلال أقاربهم سيتمكن المركز من الوصول غلى المعلومة ذات مصداقية”.
وتابع أن “هذا المركز الدولي سيكون له جانب إحصائي، من خلال إحصاء الأطفال وأعمارهم ومراحل ومسارات تجنيدهم، علما أنه في فترات تاريخية كان يتم تجنيد هؤلاء الأطفال بطرق وحشية من خلال اقتلاعهم من عائلاتهم داخل المخيمات وابتعاثهم في معسكرات على العهد الشيوعي، سواء في كوبا أو بعض الدول التي كانت تدور في فلك المعسكر الشرقي، قبل أن يتم استقدامهم لجبهات القتال، لجعلهم حطبا للنزاع الذي افتعلته الجزائر ضد المغرب”.
وأضاف أن “هذا المركز سيوفر تقارير وإحصاءات، وسيكون لديه ما يشبه مرصد لهؤلاء الأطفال المجندين لتجميع كل المعطيات المتعلقة بهم، والتي ستوضع رهن إشارة وزارة الخارجية والمنظمات المعنية بحقوق الطفل بجنيف، أو الهيئات الأوربية والإفريقية والدولية التي تعنى بهذا الموضوع الإنساني”.
وأبرز محدثنا أن “هذه التقارير ستكون في نفس الوقت إدانة للخروقات وفضح ما يجري في تلك المخيمات وفضح النظام الجزائري، وتوثيق هذه الجرائم، لما لهذا التوثيق من أهمية في المحاكمات في المرحلة المقبلة، عبر محاكمة مجرمي الحرب الذي يعمدون إلى استغلال الأطفال في النزاعات المسلحة، والذي يندرج في جرائم الحرب، ما سيمكن من متابعة المجرمين والمسؤولين الحقيقيين عن هذه الجرائم”.
وأردف أن “المركز من خلال اسمه فهو ذو صبغة دولية، ما يعني أنه لا يتعلق فقط بما يجري داخل مخيمات تندوف، ولكن بكل النزاعات المسلحة في العالم التي يتم فيها استغلال الأطفال في إفريقيا أوأمريكا اللاتينية أو آسيا، وغيرها من المناطق التي تشهد نزاعات مسلحة”.
وخلص المتحدث إلى أن “المركز سيساهم في تعزيز الدور الإقليمي، إفريقيا، وسيعزز الحضور المغربي على المستوى الدولي، نظرا لأن هذا المركز سيتناول النزاعات بغض النظر عن مكانها في العالم، ما يعني أنه قطعة جديدة في البناء المؤسساتي الاستراتيجي لتموقع المغرب على الصعيد الدولي دبلوماسيا واستراتيجيا، وسيكون، بدرجة أقل، مثل المركز الإفريقي للهجرة، الذي اختار له الأفارقة المغرب مركزا، باعتباره رائدا في هذا المجال، وهذا المركز لحماية الأطفال من التجنيد سيكون له هذا الدور في تعزيز المكانة الإقليمية والدولية للمغرب في مجال حقوق الإنسان، وسيكون مكسبا للمغرب في تموقعه وإعادة تموقعه على الرقعة الاستراتيجية العالمية”.