كشف تقرير صادر عن مؤسسة الوسيط من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان، أن الإنفاق العمومي في مجال الصحة بالمغرب لا يتجاوز 5,89 بالمائة من الميزانية العامة، مشيرا إلى أن نصيب الفرد من إجمالي نفقات وزارة الصحة لا يتعدى 561 درهما.
أفاد التقرير، الذي يتضمن رصدا وتقييما للسياسة الصحية بالمغرب، بأنه ورغم انتقال ميزانية الصحة من حوالي 14 مليار درهم إلى ما يناهز 19 مليار درهم بين سنتي 2017 و2021، فإن النفقات الصحية من إجمالي نفقات الميزانية العامة للدولة لم تتجاوز 6,5 بالمائة، بينما المعدل المحدد من قبل منظمة الصحة العالمية هو 10 بالمائة على الأقل.
وأوضح التقرير الذي اطلع عليه SNRTnews أنه وبينما تحتكر نفقات التسيير حوالي 79 بالمائة من إجمالي نفقات ميزانية وزارة الصحة، فإن حوالي 67 بالمائة من ميزانية التسيير، تعود للنفقات الخاصة بأجور الموظفين والأعوان وهو ما يؤشر على المفارقة بين ارتفاع نفقات الموارد البشرية على مستوى الميزانية وما يصاحبه من نقص في التأطير الطبي وشبه الطبي على مستوى الممارسة الصحية.
ويؤشر ارتفاع نفقات التسيير، أيضا، وفق التقرير، على وضعية ركود في فعالية الإنفاق الصحي، حيث لا تتجاوز ميزانية الاستثمار 21 بالمائة، بما يعنيه ذلك من ضعف الأداء الاستثماري لوزارة الصحة، وما ينتج عن ذلك من بطء في التعاطي مع مشاكل القطاع على مستوى توفير الخدمات الصحية وتجويدها.
وأشار التقرير، إلى أن الأسر ما تزال تتحمل المساهمة الكبرى من بين بقية المساهمين في تمويل المنظومة الصحية، إذ تصل مساهمتها إلى 48,49 بالمائة، وهي تحملات تفوق بكثير مستوى إنفاق الدولة بما يزيد عن ثلاث مرات، وقياسا إلى المتوسط العالمي المحدد في 25 بالمائة، فإن الأسر المغربية، والفئات الهشة التي توجد خارج نظام التغطية الصحية، تتحمل من عبء الإنفاق الصحي ما يثقل كاهلها، ويؤثر على وصولها إلى الخدمات الصحية الأساسية.
31 بالمائة خارج التأمين الصحي
كشف التقرير أن نسبة الأشخاص المشمولين بنظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض بلغ عام 2018 ما يفوق 10 ملايين شخص، فيما بلغ عدد الأشخاص المستفيدين من نظام المساعدة الطبية إلى حدود 2016 أيضا أكثر من 10 ملايين شخص، أي أزيد من 4 ملايين أسرة، ينتمي 48 بالمائة منهم إلى الوسط القروي، و53 بالمائة منهم إناث، ويشكل الأشخاص في وضعية الفقر غالبيتهم بنسبة 88 بالمائة.
ووفق معطيات التقرير، فإنه وحتى سنة 2018، وصل العدد الإجمالي للمؤمَّنين 24,4 مليون شخص، وهو ما يعني أن حوالي 31 بالمائة من السكان لا يستفيدون من التأمين الصحي.
وحتى بالنسبة للمستفيدين، أوضح المصدر ذاته، أن مشكلة ارتفاع نسبة الباقي تبقى على عاتق المؤمَّن لهم من تكاليف العلاج (32 بالمائة بالقطاع العام و40 بالمائة بالقطاع الخاص)، مما يحد من فعالية أنظمة التأمين ويعيق الولوج المنصف إلى الخدمات العلاجية.
أسر تقودها نفقات العلاج إلى الفقر
أبرز التقرير، أن نسبة الإنفاق الصحي الكارثي تعد من بين مؤشرات النتائج، فهو يساعد على قياس مدى تأثير البرامج والتدخلات الحكومية على الوضع الصحي، وحجم هذه التدخلات ومستوى الحماية المالية، لارتباطه بدينامية التمويل العام للصحة، كما أنه يعكس الوجه الآخر لنسبة نصيب الفرد من النفقات العمومية في مجال الصحة، وكذلك نسبة نصيبه من الناتج الداخلي الخام لبلده.
وحسب منظمة الصحة العالمية، يتم توصيف الإنفاق الصحي بأنه كارثي، عندما يتعين على الأفراد أو أسرهم تحمل النفقات العلاجية بشكل لا يتناسب مع مواردهم، وتصبح هذه التحملات الصحية مرتفعة لدرجة تجبرهم على التخفيف من نفقات معيشتهم أو حتى التخلي على نفقات تمدرس أطفالهم، أو تضطرهم للتضحية بحقهم في العلاج.
وقد قدرت وزارة الصحة، وفق المصدر ذاته، أن 2 بالمائة من العائلات تجد نفسها أمام كارثة مالية، وما يناهز 1,4 بالمائة من الأسر تنحذر إلى عتبة الفقر بسبب النفقات المباشرة من أجل العلاج.
توصيات
أوصى الوسيط بالعمل على الرفع من مستوى الاستثمار في الصحة وتمويل المنظومة الصحية من منظور كونها قطاعا إنتاجيا وليس قطاعا اجتماعيا فحسب، وتعبئة الاستثمارات وموارد تمويل الصحة باتجاه الانتقال من منظومة للصحة العلاجية إلى منظومة للصحة الوقائية والاستثمار الأمثل فيها.
ودعا إلى ضرورة اعتماد نظام للتمويل العمومي للصحة يقوم على تنويع مصادر التدفقات المالية، وعلى الابتكار في تعبئة الموارد وكيفيات استعمالها وقواعد توزيعها، وزيادة الإنفاق العام على الصحة، وذلك بالرفع من ميزانية قطاع الصحة لتصل إلى 10 بالمائة على الأقل من الميزانية العامة كما توصي بذلك المنظمة العالمية للصحة.
وأوصى كذلك، بالعمل على تحسين نجاعة النفقات المرصودة للصحة وضمان الفعالية والنجاعة، وذلك بتعزيز آليات التقييم المواكب والتقييم البعدي وترسيخ آليات المساءلة في القطاع الصحي، والتخفيف من عبء الإنفاق الصحي على الأسر، وذلك من أجل تقليص معيقات الولوج إلى الخدمات الصحية، وتفادي الإنفاق الكارثي.
ومن التوصيات كذلك، مضاعفة الجهود لتعبئة المزيد من التمويل الخارجي للاستثمار في مجال الرعاية الصحية وخدماتها، وتحقيق التوازن بين متطلبات التسيير وفعالية الاستثمار على مستوى الميزانية العامة لقطاع الصحة، وذلك بتحسين الأداء الاستثماري للقطاع للرفع من القدرة على التعاطي مع إلزامية توفير الخدمات الصحية وتجويدها.