اتجهت العديد من الفرق المسرحية المغربية في السنوات الأخيرة إلى النهل من معين التراث الثقافي، في محاولة لاستثمار ما يتميز به من أشعار وحكايات، وتقاليد وعادات، وأغاني وشخصيات، من أجل توظيفها وفق تشكلات فرجوية متجددة، تتأسس انطلاقا من تصورات جمالية ومشهدية معاصرة. ومن بين الفرق المسرحية التي ألقت دلوها الجمالي في معين التراث الثقافي، نجد فرقة فانوراميك لفنون العرض المراكشية، وذلك في سعيها إلى إعادة تشكيل حكاية (حمَّادَة) – في مسرحيتها <خلخال وغربال> – التي تؤسس لوعي جماعي وذاكرة جمعية لقبائل هوارة وأهلها.
المسرحية التي احتضنها مركز نجوم جامع الفنا يوم السبت 14 أكتوبر المنصرم حاولت أن تعيد نسج خصوصيتنا الثقافية، وذلك بغزل لغة مسرحية درامية تمتح من تعبيراتنا الثقافية والفرجوية، وذلك بإعادة تشكيل حكاية تنبع من وعينا الجمعي، وبإبداع كلمات وألحان لأغاني تمتح من معجم التراث الثقافي. وكل ذلك في استعادة لاحتفال تقليدي مغربي هو (حلفة يوم الشرشمة) حيث تطلق النساء الزغاريد، ويجتمع الجميع في انبساط ودعابة، في أجواء كلها غناء ورقص، احتفاء بفرحة الأطفال الذين تنبغ أسنانهم، ويكونوا قد شبعوا من وجبة الشرشمة، في الوقت ذاته يكون الجميع قد عقد رجاءه وتمنى سعده في (بياض الشرشمة)، عسى تتحقق الأماني في القادم من الأيام.
المسرحية تثير مجموعة من الخطابات من قبيل خطابات الوفاء والحب التي تشكل روح الحكاية التراثية المتوارثة بين قبائل هوارة وأهلها، حيث يروي وعيهم الجمعي، وتجود ذاكرتهم الشفهية عن هذه الحكاية تعتمد السرد والحكي والغناء؛ إلى جانب ذلك تظهر خطابات أخرى في المسرحية، من قبيل الاحتفاء بفضاءات واحتفالات الثقافة الشعبية على غرار فضاءات (الشرشمة) و(البياض) و(السعــد) و(الحـظ)..
إن أهم ما يشكل العملية الاخراجية في مسرحية <خلخال وغربال> هو اعتماد تصورات (لويجي بيراندللو) في اشتغاله على جمالية (المسرح داخل المسرح).. إنهم يمثلون على سجيتهم، فيتنقلون بين شخصياتهم ويعودون في لحظة إلى أصلهم بصفتهم ممثلين. فيحدث ذلك التغريب الذي وقف عنده (برتولد بريشت) واشتغل به حتى يتم تكسير الايهام ويذكر الجمهور أننا في لعبة أساسها التمثيل. إنهم يتبادلون التعليقات مع الجمهور، ويعلقون على حدث درامي، هم من أنجزوه، فيتأملونه ويتساءلون عنه.
يشار الى أن مسرحية <خلخال وغربال> كانت من تأليف الدكتورة نزهة حيكون، ومن إخراج الفنان عادل أبا تراب، ومن تشخيص: جميلة الهوني وكمال كظيمي وفاطمة الزهراء شتوان وأنوار البونية وعلال خودار وفيصل كمرات ومحمـد أيت الوراق، وصمم سينوغرافيا العمل الفنانة سناء شدال، وكتب كلمات أغانيها وألحانها الفنان مولاي عبد العزيز الطاهري، وساعد في الإخراج الفنان محمـد رضا لمنادي، والمحافظة العامة للفنان محمد القصير، والإدارة الفنية والإنتاج الفنان مصطفى دوادة، ومن إنتاج مسرح محمـد الخامس.