خطاب العرش: خارطة طريق جديدة لمؤسسات الدولة و فعاليات المجتمع

القائمة البريدية

إشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد الموقع .

في ظل الظرفية السياسية الراهنة المطبوعة باستحقاقات سابع أكتوبر، وجه جلالة الملك عناية عموم المواطنين بمناسبة خطاب العرش المجيد الى كونهم مصدر السلطة الحقيقية، و انهم بذلك الحلقة الاقوى و الأهم في المسلسل الديموقراطي، و انهم اذا تمثلوا هذا الدور الطبيعي لهم، سيدخل كل الفاعلين المعنيين بالانتخابات الى القيام بوظائفهم ضمن حدود المشروعية القانونية.
كما أكد جلالة الملك على ضرورة تخليق عمل الاحزاب لاسيما و اننا مقبلون على استحقاقات انتخابية تشريعية، وهي مسؤولية جمة تلقى على عاتقها في خضم التدافع السياسي الذي تنفلت ضوابطه في العديد من الحالات، هذا مع تذكيرهم بدرجة أساسية الى عدم اقحامه في اي قضية سياسية و الى أن دوره المحايد بالنظر الى الإختصاصات التي يباشرها بموجب الدستور، يجعله ينتمي الى حزب المغرب الكبير.
فالاختيار الانجع للمرشحين مسؤولية تقع على الاحزاب التي عليها الانتقاء بناء على معايير الكفاءة العلمية و التحلي بروح المسؤولية و النزاهة. فالادوار الجديدة للنخب المنتخبة مستقبلا بموجب الأدوار التي سيباشرونها بموجب الدستور لن تكون فعالة أو ذات قيمة نوعية إذا تحتكم إلى هذه المعايير، فتقييم السياسات العمومية و حمل هم الدبلوماسية البرلمانية التي اختير لها ان تكون دبلوماسية القول و الفعل كما جاء في الخطاب الملكي تجعل هذه المسؤولية جسيمة و تاريخية.
لذا فالنخب التي ستتحمل المسؤولية بعد استحقاقات سابع أكتوبر المقبل ينبغي ان تكون في مستوى الرهانات و التحديات التي يشهدها المغرب، فالبرلمانيون و الوزراء في ادوارهم المستقبلية ينبغي ان يتحلوا باليقظة اللازمة ، لان المغرب يسعى في إطار سياسته الخارجية الى تنويع الشراكات من خلال سياسة رابح رابح و في مجالات حيوية متعددة، كما يسعى إلى صون المصالح الحيوية للبلد عن طريق اتفاقيات التعاون المختلفة التي يوقعها مع شركاء متعددين.
إن المغرب يعمل علاوة على ذلك على توجيه العمل الدولي الى قضايا التنمية خصوصا نحو القارة الافريقية، و عليه فهو ليس محمية لأي بلد، بل إن الانفتاح المنشود الذي يرومه لا يعني بأي شكل من الأشكال المساس بمرتكزاتنا أو مقوماتنا السيادية، بل إن رجوع المغرب إلى مكانه الطبيعي و هو منظمة الوحدة الافريقية و الانفتاح على دول افريقيا الشرقية و الجنوبية، أمر ينبغي أن يجعل الفاعلين في كل من السياسة الخارجية و الداخلية مؤهلين لمواجهة تربص خصوم المملكة الذين يقتنصون الفرص لضرب مجهودات المغرب التنموية، و التي اعتمدها بعيدا عن أي شكل من أشكال اقتصادات الريع القائمة على عائدات البترول أو الغاز الطبيعي.
فنموذج التنمية الذي أقامه المغرب و الذي دفع منسوب الثقة يرتفع ببلدنا سواء من لدن الشركات الأجنبية أو الأفراد الأجانب المقيمين بالمغرب لا يحتكم إلى المؤشرات الموجهة للاستهلاك الخارجي، و إنما يسعى إلى التنمية المرتكزة على الإنتقال المتوازن اقتصاديا و اجتماعيا و بييئيا خدمة للمواطن المغربي، و ان التقدم المنشود ينبغي ان يكون تحولا اقتصاديا اجتماعيا تشمل ثماره الجميع دون استثناء.
فالزمن السياسي يدعو اكثر من اي وقت مضى إلى إنهاء الركوب على وتر الصراعات السياسية، لان الفوضى و الصراعات تضيع الفرص الديموقراطية و التنموية الحقيقية، و حتى و ان كانت هناك تجاوزات فينبغي ان تقع مقاربتها ضمن ضوابط المشروعية القانونية التي هي ديدن الحكم الرشيد.
فمفهوم السلطة الجديد هو مذهب المؤسسة الملكية في الحكم و القائم تطبيق القانون و محاربة الفساد اعتبره جلالة الملك ظاهرة عامة، فهو قضية الدولة و المجتمع على حد سواء، فالمجتمع بكل مكوناته و الدولة بكل هيئاتها مجبولة على القضاء على الفساد.
فمحاربة الفساد ليست عنصرا ضمن برنامج انتخابي بل هو الأساس الذي جاء به المفهوم الجديد للسلطة بمناسبة الخطاب التاريخي لجلالة الملك محمد السادس نصره الله بالدار البيضاء بتاريخ 12 أكتوبر 1999 ليحدد معالم عهد جديد في ممارسة السلطة المُواطنة، التي تسن القواعد المثلى لسلوك يعيد للسلطة مكانتها و يربطها بخدمة الصالح العام و المواطن، و ينزع عنها لباس التسلط الذي إرتدته مدة من الزمن.
فالسياق الذي إرتبط به إقرار المفهوم الجديد للسلطة يعكس صدق الإرادة الملكية في تغيير مقومات السلطة و تحويل وجهتها من ممارسات تسلطية متعالية على المواطن إلى سلطة متواضعة تقترب منه و تخدم تطلعاته و هواجسه و إنتظاراته، محركها الطبيعي خدمة الصالح العام ضمن محددات أبرزها المساواة و تكافؤ الفرص إحتراما لمبدأ سيادة القانون الذي ينتصر للقاعدة القانونية التي تسمو على مخاطبيها مهما بلغت مناصبهم الوظيفية أو مكانتهم في مواقع السلطة.
و على هذا النحو يكون جلالة الملك يعيد الى الاذهان من خلال خطبه التاريخية البعد الأخلاقي الذي يحكم أسس و وظائف جديدة للسلطة من خلال مفهومها الجديد المتمثل في حفظ الحريات وصيانة الحقوق و أداء الواجبات و إتاحة الظروف اللازمة لذلك على النحو الذي تقتضيه دولة الحق و القانون، و أن هذا هو السبيل لرفع الخوف و الاضطراب الذي يخلفه الإرهاب داخل أوساط المجتمع.
فجلالته ما فتئ يوجه منذ إعتلاء العرش توجيهات ذات مضمون سلوكي و قيمي لكل من أوكلت إليه سلطة معينة مهما إختلفت درجته، و مناط ذلك قربه من الشعب وإرتباطه المباشر بالمواطنين، و هو سلوك يسن منهاج السلطة القويم في تعاملها مع المعنيين بها سواء كانوا مغاربة مقيمين داخل التراب الوطني أو من أفراد الجالية المغربية الذين يحتاجون كذلك إلى تحسين شروط عيشهم إسوة بإخوانهم في الداخل.
الدكتور عادل الخصاصي
أستاذ القانون العام بجامعة محمد الخامس الرباط

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *