هل تسعى الجزائر لملء فراغ “فاغنر” في الساحل عبر وكلائها المتطرفين؟

0

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

يشكّل انسحاب مجموعة “فاغنر” الروسية من مالي نقطة تحوّل استراتيجية في توازن القوى داخل منطقة الساحل والصحراء، خاصة إذا علمنا أن هذه المجموعة كانت تدعم الجيش المالي في محاربتها ضد المجموعات الإرهابية خاصة “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” و”داعش في غرب إفريقيا”.

هذه المجموعات الإرهابية تتهم الجزائر بدعمها وتمويلها واستغلالها لـ”زعزعة استقرار مالي ودول الساحل” كما جاء في بلاغ صادر عن وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الدولي بمالي، وكما أكدت دول إتحاد الساحل (مالي وبوركينا فاسو والنيجر) في بلاغ مشترك بأن النظام الجزائري “تهدد الأمن والإستقرار” في المنطقة من خلال دعم الجماعات المسحلة والإرهابية.

وبينما تغادر المجموعة المسلحة الروسية مواقعها الميدانية، يتخوف مراقبون بأن تتسابق الجماعات المسلحة والكيانات الإرهابية لملئه، ما سيجعل جيران مالي، وجهاً لوجه مع وضع أمني مقلق. وضع دفع نواكشوط إلى الإسراع بتحصين حدودها الجنوبية الشرقية بوحدات مدرعة وطائرات مسيّرة.

هذا التحرك والمجهود العسكري الموريتاني نحو الحدود الجنوبية الشرقية، سبقته عملية إعادة نشر قواتها في بعض المناطق الحساسة في حدودها الشمالية، التي كانت ممرًا تعبر منه وحدات البوليساريو نحو مناطق جنوب المغرب للالتفاف على الحزام الدفاعي المغربي وضرب أهداف مغربية. حيث أقدمت على إغلاق نقطة عبور غير رسمية نحو الجزائر.

كل هذه التحركات لم تعد تندرج في خانة الحذر أو التكتيك الميداني المحدود، بل تعكس إلى حد بعيد قلق السلطات الموريتانية من استغلال النظام الجزائري لهذه التغيرات والمستجدات التي تعرفها منطقة الساحل من أجل إعادة توطين الحركات المسلحة والإرهابية التي تمولها والتي تستغلها ضد جيرانها، وفق بلاغ اتحاد دول الساحل سابقا.

كما أن تركيز موريتانيا على حدودها الجنوبية الشرقية بسبب التحولات في مالي، ومحاول تحصين حدودها الشمالية لتحصينها ضد اختراقات عصابات البوليساريو التي تحتضنه الجزائر، من شأنه أن يشكل عبءً كبيرا على الجيش الموريتاني الذي شرع للتو في سياسة التحديث، ما يهدد باستغلاله من طرف “ميلشيات الرابوني” التي أكدت تقارير دولية ارتباطها بالإرهاب، آخرها تقرير استخباراتي إسباني تحدث عن اختراق عناصر من الجبهة لتنظيم داعش – ولاية غرب إفريقيا، ووصول نحو عشرة شبان صحراويين إلى مناصب قيادية داخل التنظيم.

في ضوء هذه المعطيات، فإن موريتانيا ستجد نفسها مدفوعة أكثر من أي وقت مضى لإعادة النظر في هندستها الأمنية وتحالفاتها الإقليمية، خصوصاً وأن جارتها الشرقية مالي أضحت اليوم تشهد متغيرات هامة، بينما الجزائر غارقة في دعم كيان يزداد تطرفًا وانفلاتًا (البوليساريو)، من جهة، و”دعم الجماعات الإرهابية” كما أعلن عن ذلك اتحاد دول الساحل.

وفي مقابل هذه المعطيات، يبرز المغرب كشريك استراتيجي موثوق أظهر خلال السنوات الماضية استعداداً دائمًا للتنسيق مع نواكشوط في مكافحة الإرهاب والهجرة السرية وتأمين المعابر التجارية. ووفق العديد من المثقفين والفاعلين في المجتمع المدني الموريتاني، فإن الاستقرار في المغرب وموريتانيا وجهان لعملة واحدة، وأي تهديد في إحدى الدولتين سيكون له بالضرورة ارتدادات على الأخرى.

ومن هذا المنظور، فإن توسيع دائرة التعاون المغربي–الموريتاني لم يعد خيارًا سياسيًا فقط، بل ضرورة أمنية، لا سيما في ظل ما تكشفه تقارير استخباراتية أوروبية من علاقات تربط بين عناصر البوليساريو وشبكات متطرفة في شمال إسبانيا، تتعلق أساسا بتوقيف شخصين في إقليم الباسك يشتبه في ارتباطهما بعناصر متطرفة ذات صلة بالبوليساريو، وتنامي استخدام طرق التهريب لتمرير معدات وأموال تخدم أجندات الإرهاب.

وبينما تغلق أوروبا عيونها عن الجبهة الجنوبية وتغرق في تداعيات الحرب في أوكرانيا، فإن العبء الأمني الأكبر سيقع على الدول الإقليمية، التي أصبحت مطالبة ببناء تحالفات أمنية مرنة وفعالة. وفي هذا الإطار، قد يكون التعاون الموريتاني–المغربي هو أول الخطوات نحو إعادة تشكيل بنية أمنية إقليمية جديدة، قوامها الثقة والمصالح المشتركة في مواجهة مشروع الانفصال المتطرف الذي تمثله جبهة البوليساريو بدعم من الجزائر.

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.