احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.
في المغرب، ليست المشكلة في مذاق المياه المعبأة، بل في المعلومات المفقودة على قنيناتها. فبينما يحرص المستهلك الأوروبي على الاطلاع الدقيق على نسب المعادن والأيونات مثل الكالسيوم والمغنيسيوم والصوديوم، يبقى المستهلك المغربي أمام ملصقات غامضة أو غير مكتملة، ما يثير التساؤل: ماذا يشرب فعليًا؟ هل هو ماء معدني طبيعي أم مجرد ماء معالج يُسوَّق بطريقة جذابة؟
القانون المغربي، عبر المرسوم رقم 2-12-389 الصادر سنة 2013، اكتفى بذكر العموميات ولم يلزم الشركات بعرض جميع المعادن والأيونات. النتيجة: تفاوت كبير بين العلامات التجارية، فبعضها يذكر محتوى الصوديوم والمغنيسيوم بوضوح، بينما تكتفي أخرى بعبارات غامضة مثل “بقايا جافة عند 180 درجة”، تاركة المستهلك في حيرة أمام الرفوف.
التصنيف الرسمي يميّز بين ثلاثة أنواع: الماء المعدني الطبيعي من مصادر جوفية محمية ويُعبأ دون معالجة، ماء المصدر القريب من المعدني لكنه أقل صرامة، وماء المائدة المعالج أو المعاد تمعدنه صناعيًا. المفارقة أن جزءًا كبيرًا من ما يُباع في الأسواق المغربية هو ماء مائدة يُسوَّق بلغة توحي بالطبيعية، في حين أنه في الواقع قريب من الماء المعالج أو المغلي.
الصوديوم مثال واضح على أهمية الشفافية: تتراوح نسبه بين العلامات، فبعض المياه تحتوي على أقل من 5 ملغ/ل، وأخرى تصل إلى أكثر من 300 ملغ/ل، وهذه الأرقام غالبًا ما تكون متاحة فقط على المواقع الإلكترونية للشركات وليس على القنينات نفسها. عدم معرفة محتوى الصوديوم يحرم المستهلك من اتخاذ قرار صحي، خصوصًا لمن يعانون من ارتفاع ضغط الدم أو أمراض القلب.
التلاعب يمتد إلى لغة التسويق وتصميم القنينات، حيث تُستعمل شعارات مثل “صفاء معدني” أو “نقاء طبيعي” لمياه مائدة معالج، ويُصمّم الشكل الخارجي للقنينة بطريقة تشبه مياه معدنية طبيعية، مع طباعة تفاصيل التركيبة بخط صغير جدًا يصعب قراءته.
المستهلك المغربي يعيش اليوم في “منطقة رمادية” تجمع بين قانون ناقص، ملصقات غير واضحة، وتسويق مضلل. الماء الذي يُفترض أنه صحي وطبيعي قد يكون مجرد ماء معالج. الغموض حول المعادن والصوديوم ليس مسألة تقنية، بل انعكاس لفجوة في الشفافية تؤثر على صحة ملايين المواطنين، وتطرح السؤال الأهم: متى ستصبح المياه المعلّبة في المغرب شفافة ليس فقط في المظهر، بل في المعلومات الواضحة على كل قنينة؟