إسترسلت قبيل أيام اجتماعات ولقاءات مسئولين على قطاعات بصفة اجتماعية بالمدينة مراكش، مع ما اختارت هذه المؤسسات القطاعية على تسميته “فعاليات المجتمع المدني” بنفس المدينة، زعما منها أنها تفعل لهذا المجتمع المدني دوره في استطلاع الرأي من خلال اعتباره قوة اقتراحية، تبعا للرؤية التي خص بها دستور2011 المجتمع المدني، الذي يظل تحريكه طبقا للفاعلية الدستورية يتسم بالإنتقائية والإستثناءات في توجيه الدعوة، في ظل التشتت الذي يربق تجلي حضوره في تمثيلية الأنشطة التي يمثلها باعتباره قطاعا معبرا عن انشغالات تنظيمية، وليس كونه مشروعا مجتمعيا، جذيرا بإعطاءه الصفة “المجتمع المدني” الفاعل في إحداث تقدم يبصم ويؤثر في صناعة المقترح الذي من شأنه تحقيق التلاقي بين الرؤية الدستورية للمجتمع “الأهلي” أو ما نعرفه بالمغرب “المدني”، والمتطلع إليه من أدوار في تأسيس ثقافة مدنية مستعدة للإستجابة معرفيا للرؤية الدستورية في إشراك هذا المجتمع في ديمومة النمو العام والشامل، والتشاركية في لولبة وقولبة تصورات الإستدامة للنمو والتنمية، إذا ما أخذ في الإعتبار أن المغرب بالنظر إلى التقسيم الكلاسي للدول، أنه دولة صاعدة، لم تعد تقع تحت تصنيف دولة متخلفة، أو ترى كذلك، إذ تتحرك هذه الدولة وتتصرف وتسود انطلاقا من أنها دولة صاعدة.
هذا الموقع والتصور الصاعد للدولة، في مقابل تحرك المؤسسة القطاعية، يبعد مفهوم الصعود عن جوهر المنجز على مستوى منطوق ذات هذه الدولة الصاعدة، إذ أن “الإشراك والتشاركية”، كونهما بعدين استراتيجيين في عملية تثبيت دعائم وقواعد الإنتقال الديمقراطي الذي بدأت مؤشرات تجاوز المرحلة نحو الإقرار التام بالأحذ بالخيار الديمقراطي تتضح وتزداد ترصينا من خلال مجموع الإصلاحات التدبيرية والقانونية، ومن خلال ربط المسئولية بالمحاسبة، ضمن مسايرة سياسية واقتصادية للدولة الصاعدة، تضع تلك اللقاءات والإجتماعات التي عقدتها مؤسسات دستورية بالمدينة مراكش، في موقع المسائلة حول الإسهام في ترسيخ الدعائم والقواعد التي تجعل من الإنتقال مرحلة إعداد تتزن في إطاره وسياقه الرؤية الدستورية للمجتمع المدني الذي يطلبه لتحقيق أهداف التنمية المستديمة، والتي لا تزال تتعثر على مستوى التحديد السوسيو/ثقافي، وعلى مستوى الحد المفاهيمي/ المعرفي لبنية “المجتمع المدني”، خصوصا، وأن البنية معرضة للتوحش أكثر، في غياب وحدة الإطار الذي يمثلها محاورا مستجمعا للعديد من التمفصلات والإختيارات والتوجهات المجتمعية التي تنسجم وتتكامل في إطار الإطار التنظيمي، تنسيقية كانت أو فيدرالية، وهذا النوع من الإطارات وإن كان حاضرا، فهو غير مؤهل لأن يمثل التمثيلية الشاملة التي تغطي وتغطيها الجمعيات التي لا تدخل في أي تركيبة من هذه التركيبات التي يسيطر عليها مجال تنظيمي، يقيد مدى أهدافها النشاط الخدماتي الذي تزاوله، وفي أغلبه نشاط تجاري، إذ هو لا يحمل مشروعا مجتمعيا رهين بقضايا وأطروحات التحقيق للمنظورات التأسيسية للأفكار والبلورة الهوياتية في مقاربة مع الخصائص الحضارية للتصورات الدستورية في التمكن والتمكين من القوة الإقتراحية التي يحملها المجتمع المدني في شكل برامج ومشاريع لتحقيق التنمية المستدامة والشاملة، أي، أن المجتمع المدني هو صناعة للذكاء المستقبلي الذي بدون راهن لا يمكن تصوره.
أن تستدعى ثلة، ويقصى المجموع من اللقاءات التي تدعو إليها المؤسسة، استبداد يمارس في ظل اختيارات طوت الإنتقاء والإستثناء الذي كان اعتماده في مرحلته للتصفيق، وهو ما ترفضه القيم التي وطنت للعهد الجديد أخلاقيات تدبيرية وإدارية وتشريعية/قانونية/تنظيمية، كانت فاعلا مركزيا في الزلازل الملكية التي ربطت المسئولية بمبدإ المحاسبة، عهد جديد يفتحص، يدقق، يتمحص، يضع الإمكانات المتاحة، ويتجشم الرهانات القوية والتحديات الكبرى لتوفير الثروة البشرية والمادية، لإعطاء ارتباطات أخرى جدية تجمع الأداء للمسئولية ب “المواطنة”؛ كما علمت ذلك، جميع الخطابات الملكية التي فعلا هي حاضر ومستقبل العملية الديمقراطية بالمملكة المغربية؛ كما تؤكد عليه الدراسات والتحاليل المرافقة للرؤية السديدة لجلالة الملك محمد السادس.