مراكش الحاضرة المتجددة، التاريخ الذي لا يزال يهب للمدينة هذا التألق الذي يسطر لأسطورة وجود مدثر بسر متواصل، الكشف عنه واكتشافه لا يفتح مغالقه غير الإرتماء في حالات المدينة التي تمثل تخفيا يمارس ذاته، في ما يهبه استظلال المدينة بأسرار السحر الأحمر في أفق متعالي، وغابر عادات، قيم ونمط عيش، أرستهما التقاليد العريقة التي حدبها التأسيس لوجود المدينة الحضاري، المندمج في ديمومة الحراك العالمي .
تاريخ وسحر أحمر، هما ما لا يزالا يطبعا مراكش التي تتعدد بها المداخل لفك بنية التلازم بين خاصيتي المدينة : التاريخ والسحر، فمن المدخل الثقافي والفني والموروث الحضاري، إلى المدخل الحرفي للصناعة التقليدية، ومدخل التاريخ المشرع على العالم منذ التأسيس على عهد الدولة المرابطية، مرورا بدولتي الموحدين والسعديين .
هي المداخل التي تسلم إلى المدخل ” السياحي “، الذي يجمع جميع حركية هذا النشاط الذي تسهم به مراكش في بلورة حضورها، الذي أصبح متصلا بكينونات ” غيرية “، هذا المدخل الذي انتقل بمراكش إلى مدينة كل ” الأعراق ” ، والإنتماءات الإنسانية المختلفة ” أوروبية – أفريقية – آسيوية – أمريكية “، خليط سكاني اتزانه في قدرة المدينة على العيش في إطار وحدة ثقافية متعددة المصادر.
عن هذا التاريخ، وذلك السحر، يتحدث ” ع – أ ” من ساكنة المدينة القديمة قائلا : ( نحن على الدوام أمام مدينة تحبل بخبايا السحر، من بنيتها التاريخية التي أبهرت وحركت خوالج من اتخذها دار مقام من غير المغاربة، وأخذ لباب نسيجها العمراني، لباب الحضارة في منشئها الإنساني، تشدك إليها بالبساطة في العيش، والعمارة، إلى حنين الشعور الذي ظل محافظا على سجية أهل المدينة الذين يحتفون بالقدرة على اسشتعادة روح ذلك التاريخ ، وهذا السحر الملهم بوحي من الرؤية الحداثية للظاهرة الإجتماعية ) .
المدينة هي إذن، تجربة حياة لم تولد عن فراغ أو من عدم، هي حصيلة منبثقة من وعي للتحولات التي رافقت المدينة، وخضعت لها في إنتاج مدينة الألفية، المدينة التي تصنف تراثا إنسانيا، عالميا “، وتعتبر القصور أكثر ما يمثله من الناحية العمرانية، حيث يكمن هذا السحر .
المدينة القديمة : تراث مادي بخصائص لا تخلو من مميزات
أكثر ما يتجلى هذا التاريخ بالمدينة القديمة، التي تحضن الإرث الحضاري للدول التاريخية التي تعاقبت على سلطان الدولة المغربية، وبكيفية أخص دول المرابطين والموحدين والسعديين، وهي الدول التي عملت على تكثيف حركة العمارة العمرانية التي راعت في تشكيلها الإحتياجات المرفقية للجماعة السكانية، والتي أنشأت بتأثير ذلك، نظامها الإجتماعي، العيشي، الثقافي، الإقتصادي
ة
والصناعي، تبعا للبناء الهرمي الذي تلاقت فيه التصورات، وانضبطت في إطاره ضروريات الحاجة من إقامة هذا البناء العمراني، الذي طبع المدينة، ذلك أن معظم الأثر الحضاري / التاريخي في مجال العمران على تعدد صناعه ” المرابطون – الموحدون – السعديون “، يحمل ذات الخصائص، دون أن يخلو من مميزات تدل على الدولة التي أقيم ضمن سياقها التاريخي.
وعلى العموم، فأوضاع هذا التراث المادي تعيش على أزمة ” المحافظة عليه “، والتي يراها المهتمون ( حقيقة لم تعد تخفى على أحد، واليوم يبدو أن المسؤولين في مراكش بشكل خاص، والمغرب بشكل عام، اقتنعوا بحقيقة، أنه لا يكف إنشاء مزيد من الفنادق لكي تنال المدينة الحمراء رضا السياح الذين يبحثون عن ما يميز هذا البلد عن ذاك، لذلك صرت تجدهم يحاولون استدراك ما فات، بالعمل على تقوية بنية الإستقبال في معناها الواسع، والإهتمام بالجانب الثقافي، من خلال إصلاح الأسوار، والبنايات التاريخية، والساحات الشهيرة لمواكبة الحركة السياحية التي تشهدها المدينة )، يكتب عبد الكبير الميناوي .
قصور البديع – المنبهي – الباهية : نقطة ضوء كبير في خريطة البنايات الأثرية بالمدينة الحمراء
تبرز ” القصور “، أهم مكونات التراث المعماري، والتي نظرا للقيمة التاريخية التي تحملها على مستوى النسيج العمراني للمدينة، فقد اتجهت العناية على أن يشمل برنامج العناية ضمن المحافظة على المآثر التاريخية، القصور بهدف إدماجها في دورة الإقتصاد الثقافي والسياحي، إذ هي تشكل ” نقطة ضوء كبير في خريطة البنايات الأثرية بالمدينة الحمراء”، بحسب وصف عبد الكبير المنياري .
قصر البديع : الفن الأندلسي بغرناطة ظل يمارس تأثيره على الفن المغربي
يعد قصر البديع من روائع الهندسة بالمغرب، بناه السلطان السعدي أحمد المنصور الذهبي، في ما بين سنة ( 1578 – 1603 )، وذلك شهورا قليلة بعد توليه الحكم وانتصاره على البرتغاليين في معركة وادي المخازن العام 1578.
ورغم أن القصر يوجد في حالة خراب، إلا أن نصوصا تاريخية تعرف عبر التوصيف هندسة القصر ومكوناته المعمارية والزخرفية، إذ يشير تصميم برتغالي، يعود إلى 1585، إلى أن القصر، كان محاطا بسور مدعم في زواياه الأربعة بأبراج، وأن الولوج إليه كان يتم عبر عدة أبواب، توجد الرئيسية منها على الجهة الجنوبية الغربية .
إلى هذا، يشكل قصر البديع نموذجا يمكن من التعرف على عمارة القصور خلال القرن 16 بالمغرب، وه يحمل عدة تأثيرات أجنبية، تتجسد من خلال تصميمه الأندلسي الشكل، فالأجنحة المحورية مستوحاة من ساحة الأسود بغرناطة، والتي توجد أيضا بصحن مسجد القرويين بفاس، والبركة المائية المستطيلة والكبيرة الحجم التي توجد بساحة الريحان، وأما نظام البرك والقنوات المائية داخل القاعات، فنجد مثيلا لها بقصر الحمراء بغرناطة.
وحسب المصادر، يفهم من هذا، أن الفن الأندلسي بغرناطة ظل يمارس تأثيره على الفن المغربي خلال هذه الفترة، بفضل هجرات المورسكيين الفارين من حروب الإسترداد المسيحية، وكما يفيد المؤرخ الإفراني في فهم بعض مصادر التأثير الأخرى، حيث يذكر، أن المنصور الذهبي استقدم العمال والحرفيين من كل البلاد، وحتى من أوروبا، كما جلب الرخام من مدينة بيز بإيطاليا، وهي طرق وتقاليد شائعة في القرون الوسطى ببلاد الإسلام .
قصر المنبهي : طراز البنايات الحضرية المغربية
يرجع تاريخ بناء قصر ” المنبهي ” الذي يقوم على مساحة ما يقرب من 2000 مترا مربعا، بداخل المدينة القديمة، على طراز البنايات الحضرية المغربية الذي تصطف غرفه الأربع حول صحن مكشوف، و ملحقا به حماما تقليديا و إسطبلا و ” دويرية ” تضم مطبخ القصر، الذي تمت تغطية صحنه، ويتحول إلى فضاء عرض يضطلع منذ سنوات، و بعد أن أصبح يعرف ب ” متحف مراكش “، دورا في التعريف بالمنتوج الحضاري للمدينة مراكش، إلى القرن التاسع عشرة، وذلك، من طرف المهدي المنبهي، الذي كان يشغل وزيرا للدفاع على عهد السلطان مولاي عبد العزيز (1894 – 1908)، وسفيرا للمغرب بدول ألمانيا وإنجلترا بداية من العام 1901، بعدها لم ينجح ” المهدي المنبهي ” في مهمة القضاء على ثورة ” بوحمارة ” في العام 1903، فشل أفقده ( مكانته وحظوته لدى السلطان، وحين سيغادر مراكش في اتجاه طنجة، التي مات بها عام 1941، سيتحول القصر إلى ملكية صهره التهامي الكلاوي، باشا مراكش الشهير، وبعد استقلال المغرب، عام 1956، سيتحول القصر إلى ملكية الدولة المغربية، حيث سيحتضن أول مدرسة للبنات بمدينة مراكش. لكن القصر، نظرا لعدم الاعتناء به، سيفقد توهجه، لتغلق أبوابه سنوات طويلة، حتى جاءت لحظة تحويله إلى متحف )، يقول نفس المصدر.
الوصول إلى ” «متحف مراكش» غالبا ما يتم عبر الأزقة الملتوية التي قد تنطلق بك من ساحة جامع الفنا، مع ما يحيط بها من تحف أثرية تتجاور في المكان وتقترب إلى بعضها بعضا على صعيد الغنى الثقافي والمضمون الحضاري، كـ«دار بلارج» و«مدرسة بن يوسف» على بعد خطوات. يشهد «قصر البديع» على منجزات وانتصارات الأسرة السعدية، التي حكمت المغرب في الفترة ما بين 1554 و1659. وقد شرع في بناء هذا القصر عام 1578، مع بداية فترة حكم أحمد المنصور الذهبي (1578 -1603)، وذلك أشهرا قليلة بعدانتصار الجيش المغربي على الجيش البرتغالي في معركة «وادي المخازن» الشهيرة ” يصف ذات المصدر.
قصر الباهية : دليل مودة باسم زوجة ” أبا حماد “
شيد «قصر الباهية» الذي يوجد في عمق المدينة القديمة، في القرن التاسع عشرة، على عهد السلطان مولاي الحسن الأول (1873 – 1894)، من طرف الحاجب أحمد بن موسى بن أحمد السملالي، الذي اشتهر بلقب ” با حماد “، والمتوفى في العام 1900 . وتذكر الكتابات التاريخية، أن تسمية القصر ب ” الباهية ” يرتبط باسم زوجة الحاجب ” الباهية “، ويمثل دليل مودة، امتزج فيها الهيام بالهندسة، كما تذكر ذات الكتابات أن ” باحماد ” قد جلب أمهر الصناع والحرفيين المغاربة للاشتغال في البناء والزخرفة، فيما يرى عدد من المهتمين بتاريخ مراكش أن ” قصر الباهية ” إذا كان ( قطعة فنية بهية المنظر، وتحفة معمارية تفيض بتجلياتها الحضارية، فهو، قبل كل هذا وبعده، وثيقة تاريخية تطوي في مضامينها تقاليد أهل مراكش وأنماط عيشهم، كما تسمح بإعادة تركيب صورة المرأة المغربية آنذاك، ودورها في الحياة الخاصة والعامة. ونظرا لعلاقة القصر بالسيدة التي أخذ اسمها يرى البعض في «الباهية» مثالا جميلا للأنوثة المغربية، وتأكيدا لافتا لمدى تأثير الحب على المعمار المراكشي، وتراوحه، في بعض الأحيان، بين ثنائية العشق والسلطة)، يقول نفس المصدر.