يُصَنِّفُ التوتر الذي استحوذ مؤخرا على العلاقات المغربية الإسبانية، مملكة إسبانيا ضمن “دول العداء” للوحدة الترابية الوطنية للمملكة، ويعزز اختيار إسبانيا السياسي لإطالة النزاع حول سيادة المغرب على الأقاليم الجنوبية، وبالتالي الإعلان عن ممانعة التصفية والتسوية النهائية للنزاع اعتمادا على المرجعية الدولية، إذ من شأن حصول الإرادة الدولية من خلال الأمم المتحدة حول الأقاليم الجنوبية للمملكة، أن يحول بشكل رسمي غير قابل للمناقشة، الإهتمامات السياسية للدولة المغربية نحو المطالبة بالثغور التي لا تزال إسبانيا تضمها إليها بشمال المملكة، وعادت تحتل في الخطاب السياسي الحزبي والحقوقي الوطنيين موضوع {استحقاق وطني} على الدولة استقصاء ممكناته التاريخية والقانونية في أفق المطالبة باسترجاع هذه الثغور في ظل المعطيات الدولية المشجعة على هذا الإسترجاع الذي يربطه التفكير السياسي باستعادة إسبانيا لمضيق جبل طارق الذي لا يمكن أن يقدم استراتيجيا أو يمدد سياسيا الحضور الأوروبي بأفريقيا كما يقدم ذلك ثغر “سبتة” وثغر “مليلية”.
هي الأهمية الإستراتيجية التي يُنتبه إليها في موقف وزيرة الدفاع الإسباني {مارغريتا روبليس}، وأعلنت عنه الخميس الأخير في مقابلة مع الإذاعة العامة الإسبانية ضمن متابعتها لتطورات تدفق مهاجرين على مدينة “سبتة”، ووصفت التدفق على أنه “اعتداء” و”ابتزاز” مغربي لإسبانيا، بأن “سبتة” (جيب إسباني)، بل أن الوزيرة تذهب إلى أن التدفق البشري على الثغر “اعتداء على الحدود الإسبانية وحدود الاتحاد الأوروبي)، وفي ذلك، مغالطة سياسية، كون أن الوجود الإسباني هو وجود “احتلال واستعمار”، وأن المغرب لم يعترف أبدا بالحدود التي ورثها عن استقلاله عن فرنسا في السنة 1956، وتزوير في الحقيقة التاريخية للوجود الإسباني بالشمال المغربي، كون أن “سبتة” وباقي الثغور المغربية قد ضمتها إسبانيا ما بين سنوات (“1405/احتلال جزر الكناري- “1494/احتلال مليلية”- “1959/ جزر الحسيمة الثلاثة”- “1564/ جزر باديس”- “1668/مدينة سبتة”- “1848/ الجزر الجعفرية الثلاثة”)، بالإضافة إلى (جزيرة “تورا” أو “ليلى”) التي لا تحتلها إسبانيا، غير أنها تعمل على الحيلولة دون أن يمارس المغرب سيادته على “جزيرة ليلى” التي كانت موضوع توتر بين المملكتين في السنة 2002 بسبب نزول جنود مغاربة بالجزيرة، وبالتالي فإن هذا الضم لهذه الثغور هو ما يشكل العمق الإستراتيجي لإسبانيا وأوروبا عموما من الجهة الجنوبية للمتوسط وأيضا على الواجهة الأطلسية.
هذه الأهمية الإستراتيجية، بكل إدراك أنها موضوع اهتزاز تاريخي من قبل أوروبا وليس إسبانيا فقط، وباعتبار النقاش الوطني حول استرجاع ذات الثغور، وأيضا الدولي في خصوص الوضعية الأمنية لأوروبة في تصور استرداد هذه الثغور من قبل المغرب، والتهديدات التي يمكن أن تترتب عنه من الجهة الجنوبية لأوروبا، انعكس وتجسد بوضوح في التغطية الإعلامية التي رافقت من خلالها وكالة الأنباء الفرنسية التدفق البشري الذي اتخذ صوب مدينة “سبتة” مسلكا قبل أسبوع، الإثنين 17 مايو هذه السنة 2021، وتصورت فيه تخفيفا للضغط المغربي الواسع الذي زاولته على السلطات الإسبانية التي استقبلت على أراضيها ممثل المرتزقة/البوليساريو الأول إبراهيم غالي، بهوية مزورة وللمرة الثانية في غضون شهرين (أبريل ومايو 2021)، ويتم في سياق سياسي متصاعد التوجه نحو حل النزاع المفتعل حول الأقاليم الجنوبية للمملكة، واختيارات الديبلوماسية الدولية بإنهاء النزاع في إطار الأمم المتحدة، واختراق الديبلوماسية المغربية لأكثر المواقف عدائية للوحدة الترابية، أن إنهاء النزاع بالطرح المغربي هو دخول مباشر للمغرب لإنهاء احتلال الثغور المغربية من قبل إسبانيا، وأن هذا الدخول المباشر في تسوية استعمار امتد 1405 مع احتلال جزر الكناري، يفقد إسبانيا وأوروبا عمقهما الإستراتيجي في القارة الأفريقية، لذلك، كانت صيغة اعتبار المغرب (عدوا) ما سيطر على التقارير التي صاغتها وكالة الأنباء الفرنسية وسعت من خلفها إلى فك طوق الإدانة الشديد الذي أحاطت به السلطات المغربية عنق سلطات إسبانيا التي اختارت باستقبال غالي الخروج في علاقتها بالمملكة المغربية من ازدواجية الخطاب، إلى اختيار التعامل {العدائي} من خلال حماية (إبراهيم غالي) من العدالة المطالبة بمثوله أمامها بتهم الإغتصاب، وهو ما يعني سياسيا تخلي إسبانيا عن مبادئ حسن الجوار والشراكة في إطار من العلاقة الديبلوماسية، وتفضيلا في التعامل مع البوليساريو الذي يبقى إحدى الضمانات الأساسية في التشويش على توجهات المغرب التحررية، المجالية/الثغور، السياسية/علاقات التكافؤ في القوة، وهو إدراك ترفض بلوغه وكالة الأنباء الفرنسية وتحذر من ترجمته مادام مرتبطا بالمسألة الأمنية لأوروبا، لذلك بالغت في الثرثرة المفرطة لكيل الإتهامات، و يبقى ذلك، معبرا في الوجدان الصحافي لوكالة الأنباء الفرنسية عن الإنهيار الصاعد عن إدراك الوكالة “أن المغرب قوة”.