تصدر الامين العام السابق؛ حميد شباط، عناوين الصحف المغربية، بعدما قرر في سابقة من نوعها في الممارسة السياسية بالمغرب، مغادرة حزب كان يترأسه ويتغنى بتاريخه ومؤسسيه و”تضحياته من أجل الشعب المغربي” إلى الأمس القريب، ليدخل بذلك التاريخ السياسي بالمغرب بأول أمين عام يغادر حزبه من أجل الحصول على تزكية الترشح في الانتخابات من أحزاب أخرى.
شباط الذي “تلات به ليام” أو “دار به الزمان” كما يقول المغاربة، أعلن مغادرة أحد أعرق الأحزاب السياسية المغربية الذي تولى أمانته العامة منذ 23 شتنبر 2012 إلى غاية 7 أكتوبر 2017، تاريخ الإطاحة به من طرف نزار بركة، بسبب صراعات مع قيادة الحزب الحالية خاصة الامين العام؛ نزار بركة، والقيادي البارز، حمدي ولد الرشيد.
سياسي واسع النفوذ
شباط الذي يوصف بـ”الظاهرة السياسية” في المغرب، لم يكن سياسيا عاديا، وإنما كان من بين الفاعلين السياسيين المثيرين للجدل، كيف لا وهو الذي قلب الطاولة على عائلة “ال الفاسي” غير العادية داخل حزب يُقدم باستمرار كأنه «حزب وطني غير عادي”، واستطاع في ثلاث سنوات بعد دخوله إلى اللجنة التنفيذية للحزب أن يمسك زمام نقابته ثم الحزب برمته، ليتحول الرجل الذي يوصف بـ”السيكليس” إلى زعيم سياسي.
فترة تولي حميد شباط مسؤولية الامانة العام بحزب الاستقلال، تزامنت مع ما يمكن أن نسميه “زمن القيادات السياسية الشعبوية”، من قبيل عبد الاله بن كيران، إدريس لشكر، إلياس العماري، نبيلة منيب ومحمد نبيل بن عبد الله. وفيه شهد الساحة السياسية المغربية صخبا وضجيجا بسبب الاتهامات والاتهامات المضادة.
فالسياسي الشهير بجملة “مبروك العيد”، لم يثنه تواضع مستواه الأكاديمي ووسطه الاجتماعي، من التدرج بثبات عبر الهياكل السياسية والنقابية التي ينتمي إليها، إلى غاية بلوغ أعلى الأجهزة التسييرية لأحد أعرق الأحزاب المغربية ولأكبر مركزية نقابية بالمغرب؛ نقابة الاتحاد العام للشغالين بالمغرب. وهو ما جعله يطلق نار تصريحاته يمنة ويسرة، حيث اتهم “الربيع العربي” وحركة 20 فبراير بكونهما نتيجة تخطيط صهيوني، واتهم الراحل المهدي بن بركة بالضلوع في اغتيالات سياسية في المغرب، واعتبر موريتانيا أرض مغربية.
رجل منبوذ
لم يتوقع الامين العام لحزب الاستقلال والكاتب العام لنقابة الاتحاد العام للشغالين بالمغرب في حينه، أن يكون تصريحه حول موريتانيا بداية لـ”انهياره السياسي”، حيث استبعد مباشرة من مفاوضات تشكيل الحكومة من طرف بن كيران، وأصبح “شخصية سياسية ممقوتة تجلب المشاكل والأزمات للبلاد”.
مباشرة بعد ذلك، بدأ شباط يفقد نفوذه شيئا فشيئا، حيث انقلب عليه إخوانه في عدد من فروع حزب الاستقلال إلى أن أطاح به الامين العام الحالي؛ نزار بركة، قبل أن يتم خلعه من زعامة نقابة الاتحاد العام للشغالين بالمغرب، ومن ثم سيجد شباط نفسه مستبعدا من جميع أجهزة الحزب، باستثناء صفته البرلمانية، ليقرر بعدها الهروب من المغرب والابتعاد عن المشهد السياسي سنوات عدة.
وبعد ثلاثة سنوات من تخلفه عن مهمته البرلمانية واحتفاظه بتعويضاتها المالية، عاد شباط إلى المغرب والمشهد السياسي بقوة، حيث حاول أن “يمد رجليه” داخل حزب الاستقلال كما كان يفعل من قبل، إلا أنه اصطدم بالرجل القوي داخل الحزب؛ الصحراوي حمدي ولد الرشيد، الذي أزاحه رفقة نزار بركة من واجهة الحزب، بل منعوه حتى من التشرح للإنتخابات، ليقرر شباط مغادرة أحد الاحزاب الوطنية العريقة بغية الترشح في حزب صغير. وهذه قصة تستحق أن نعونها بـ”شباط .. من سياسي واسع النفوذ إلى رجل منبوذ”.