تتوفر العديد من الحيوانات على ما يسميه العلماء الحسة السادة، والتي من خلالها يمكن لتلك الكائنات إدراك ظواهر طبيعية لا يمكن للإنسان إدراكها إلا بعد فواة الأوان.
وبعض ما تدركه تلك الحياوانت بحاستها السادسة قد يشكل تهديدا خطيرا على الإنسان، ومع أن الانسان سجل عبر التاريخ تحولات في سلوك بعض الحيوانت يسبق بعض الكوارث مثل الزلازل والبراكين، غير أنه كان دائما عاجزا عن استثمار قدرات الحيوانات تالك لحماية نفسه.
ويعتبر برنامج منظومة التعاون الدولي لأبحاث الحيوان عبر الفضاء الذي يعرف باسم “إيكاروس” خطوة مهمة في تمكن الانسان من الاستفادة من خاصية الحاسة السادسة لدى الحيوانات، إذ يهدف، حسب الجزيرة نت، إلى توقع حدوث ظواهر مثل ذوبان الثلوج أو الانفجار البركاني أو هزات أرضية أو حتى بعض الأوبئة، بمساعدة سلوكيات الحيوان.
وفي تقرير نشرته صحيفة “لوباريزيان” (Le Parisien) الفرنسية، حسب نفس المصدر، قال غيال لومبارت إن دراسة سلطت الضوء على سلوك الحيوانات -التي تسترشد غالبا بحاسة سادسة غير مألوفة عند البشر- أوضحت أن الحيوانات قادرة على إرسال إشارات للإنسان تنذر باحتمال حدوث كارثة طبيعية أو ظهور فيروس.
وقبل عامين -بحسب الكاتب- أطلق الباحثون مشروع يعرف باسم “إيكاروس” (ICARUS) يهدف إلى تثبيت وحدات استشعار في 100 ألف حيوان من أجل متابعتها من خلال حاسوب في الفضاء، حيث شرح أعضاء فريق البحث تصورهم القائم على إنترنت الأشياء الذي أطلقوا عليه اسم “إنترنت الحيوانات”، وذلك في الطبعة الحديثة لدورية “ترندز إن إيكولوجي آند إيفولوشن” (Trends in Ecology and Evolution)
ويوضح الكاتب أن العلماء انطلقوا في تنفيذ المشروع في سبتمبر/أيلول 2020 بعد تثبيت جهاز استشعار لازم شحرورا خلال طيرانه من بيلاروسيا إلى ألبانيا، ومنذ عام 1960 تم تثبيت أجهزة الاستشعار على حوالي 3.5 ملايين طائر بري في شتى أنحاء العالم من أجل الاطلاع على تحركاتها ونطاقها.
ومع ذلك، يعتبر طائر الشحرور أول طائر نُقلت إحداثيات نظام تحديد المواقع الخاصة به إلى محطة الفضاء الدولية.
توقع الوباء القادم
وأشار الكاتب إلى أنه في خريف عام 2020 أُنتج حوالي 5 آلاف جهاز إرسال تخول إجراء البحوث الأولية عن هجرات الشحرور والطيور المغردة، وعقب ذلك أجريت تجارب أخرى لم تقتصر على الطيور فحسب، بل شملت الزواحف مثل سلاحف غالاباغوس التي تعرف بأنها تولد وتبيض وتموت في أماكن محددة.
ويبين الكاتب أن جهاز الاستشعار الصغير الذي يتراوح وزنه بين 3 و4 غرامات لا يخبر فقط عن موقع الحيوان، بل ينقل بيانات تتعلق بالبيئة التي يوجد فيها، مثل درجة الحرارة ومعدل الرطوبة، ويكشف عن الوضع الصحي للطائر، وهو أمر مفيد بشكل خاص للثدييات مثل خفافيش الفاكهة التي يتتبع برنامج إيكاروس مجموعة منها.
ويكشف الكاتب أن البحوث التي تجريها مؤسسة “ماكس بلانك” البحثية في ألمانيا ومركز التنوع البيولوجي التابع لجامعة ييل الأميركية أثبتت أن مراقبة الأرض باستخدام أجهزة استشعار المثبتة في الحيوانات التي يمكنها نقل الأمراض المعدية تساعد على تحديد النقاط الساخنة المحتملة لانتقال الأمراض، ووضع خريطة ومراقبة التحركات، فقد أتاح تتبع الأشخاص الحاملين لأجسام مضادة لعلماء الأوبئة الفرصة لتحديد المضيفين الحقيقيين للأمراض الحيوانية المصدر مثل إيبولا وكوفيد-19.
الوضع في أوكرانيا يعقد المسألة
ويلفت الكاتب إلى الحاجة إلى توقع التطبيقات الأخرى إمكانية وقوع أحداث طبيعية أو مراقبة الظواهر الناجمة عن النشاط البشري، فبحسب مؤلفي الدراسة يعتبر تغيير الأوز مسارها من المؤشرات التي تنذر بإمكانية ذوبان الثلوج، فيما تتصرف المجموعات الحيوانية التي تعيش في أماكن مهددة بانفجار بركاني بطريقة غريبة وتنذر مغادرة الحيوانات المتوحشة مواطنها بإمكانية حدوث زلزال.
ويقول الكاتب إنه في الوقت الحالي نُشرت أجهزة الاستشعار في 91 موقعا في جميع القارات، وفي هذا الصدد -يقول والتر جيتز- وهو أستاذ علم البيئة في جامعة ييل الأميركية “في غضون 3 أو 5 سنوات يمكننا تثبيت وحدات استشعار على 100 ألف حيوان، ولا سيما في ظل استعداد مجموعة عالمية كبيرة من العلماء والهواة المدربين لدعم هذا المشروع”.
وأضاف أن “عدد الحيوانات المحدد قابل للتغيير، لكنه هدف قابل للتحقيق ويجعل من الممكن تتبع ما لا يقل عن 500 نوع من الحيوانات في جميع أنحاء العالم”.
ويعتبر الكاتب أن تطور الأزمة الروسية الأوكرانية شكل عقبة أمام إكمال العلماء بحوثهم، لأن الهوائي الذي يؤمّن نقل البيانات مثبت على الجزء الروسي من محطة الفضاء الدولية، مع العلم أن الصراع القائم في أوكرانيا قوض البرامج المشتركة التي تنفذها وكالة الفضاء الاتحادية الروسية “روسكوزموس” بالتعاون مع نظيراتها الأوروبية، ونتيجة ذلك تم إيقاف تبادل المعلومات في إطار برنامج منظومة التعاون الدولي لأبحاث الحيوان عبر الفضاء.
وفي الختام، كشف مؤلفو الدراسة لدورية “ساينس” (Science) -بحسب الكاتب- أن القائمين على المشروع من رواد الفضاء تراجعوا عن الوعد الذي قدموه للأطراف الفاعلة في الميدان الفضائي بشأن نقل البيانات عبر أقمار صناعية أخرى بحلول نهاية العام.