أخر الأخبار

دراسة نقدية في القوانين التنظيمية للجماعات الترابية

القائمة البريدية

إشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد الموقع .

 

 بقلم / جلالي شبيه*

أود في بداية هذه المساهمة المتواضعة, أن أبدأ بهذه التساؤلات البراكماتيكية التالية : ما هي القيمة المضافة التي جاءت بها هذه القوانين التنظيمية الجديدة, للرفع من جودة التدبير المحلي, سواء من حيث الصيغة القانونية, أومن حيث القالب الذي أفرغت فيه, أو من حيث نية المشرع.

هذا ما سأحاول الإجابة عليه في هذا المشروع, لكن في الواقع أنا لم أكن أعرف الجواب لحظة الشروع في كتابة هذه المساهمة, ولم أعرف الجواب إلا بعد دراسة هذه القوانين التنظيمية, دراسة متأنية, والخروج منها باستنتاجات. إذن سأبني مشروع هذا العمل على أساس هذه المحاور الثلاثة:

-المحور الأول: سيكون عبارة عن تحليل منهجي نقدي لهذه القوانين تحت عنوان: القوانين التنظيمية الجديدة للجماعات الترابية أو تفكيك وحدة النص القانوني؛

– المحور الثاني : سأحاول بناء تركيب منهجي علمي لكل هذه القوانين التنظيمية المحلية، وبالتالي اقتراح تخطيط جديد وهندسة أخرى تجمع هذا الشتات في نظام قانوني جماعي واحد؛

– المحور الثالث والأخير: سأحاول من خلاله وضع قانون لنظام اللامركزية الترابية الحالي بالمغرب ومواجهته مع التعديلات الطفيفة التي جاء بها النظام القانوني الجديد كما وضعته في المحور الثاني· و بمعنى آخر ما هو تأثير هذا القانون التنظيمي على النظام الجماعي الحالي .

-المحور الأول: القوانين التنظيمية الجديدة للجماعات الترابية أو تفكيك وحدة النص القانوني وهشاشة مضمونه

           يقول الشاعر أبو الطيب المتنبي، القرن العاشر ميلادي: عيد بأية حال عدت ياعيد    بما مضى أم بأمر فيك تجديد ···

أظن أنه عاد بما مضى, ولا تجديد باستثناء بعض التعديلات الطفيفة, مردها إلى التطور الاجتماعي، وهذا طبيعي···   إن تفكيك وحدة النص وهشاشة مضمونه تتجلى في نقط كثيرة أخص بالذكر ثلاثة منها, أعرضها على شكل ملاحظات:

– الملاحظة الأولى: تشتيت وتكرار في الإنتاج القانوني

إن فكرة وضع هذه القوانين التنظيمية الثلاث للجماعات الترابية (البلديات, العمالات, الجهات) منفصلة ومستقلة بعضها عن بعض, لا يعطي تصور متكامل ورئيا واضحة عن التدبير الجماعي, وبالتالي لا يخدم في شيء وحدة التدبير والحوار والتعاون والتضامن فيما بين هذه الجماعات. هذا من جهة, ومن جهة أخرى, نلاحظ أن هذه القوانين الثلاثة تتميز بالتكرار السخيف والممل في تصنيف أقسامها وتوزيع أبوابها وتقسيم فصولها·.

فإذا اكتفينا مثلا, بالأقسام فقط, مع العلم أن التكرار يكتسح كل المستويات, نلاحظ نفس العناوين في الأقسام الثمانية, باستثناء قسم الجماعات ذات نظام المقاطعات, الذي يهم المدن الكبرى مثل الدار البيضاء والرباط وطنجة ومراكش وفاس وسلا, وقسم صندوقي التأهيل الاجتماعي والتضامن بين الجهات, الذي يهم الجهات·

فإذا استثنينا هذين الفصلين, نلاحظ أن جميع الأقسام, ناهيك عن الأبواب والفصول, هي نفسها في القوانين الثلاثة: قسم تمهيدي – قسم شروط التدبير – قسم الاختصاصات – قسم الصلاحيات – قسم الإدارة – قسم النظام المالي – قسم المنازعات وقسم الحكامة.·

 والغريب في الأمر أن داخل هذه الأقسام, وهذه الأبواب, وهذه الفصول, نجد فقرات, بل مواد, بل صفحات, بأكملها متكررة, بالنقطة والفاصلة والترتيب, في نفس القوانين الثلاثة· بل في الكثير من الصفحات نلاحظ تغيير في سرد الحالات المتشابهة وتبديل في تعداد الاختصاصات المماثلة حتى لا يشعر القارئ أو المتصفح لهذه النصوص أنها في الواقع لغو, تكرار ممل لنفس الشيء, بل تحصيل حاصل· ولا داعي لإعطائكم أمثلة, فالأمثلة عديدة جدا : في الأحكام العامة – في التدبير- في الاختصاص – في الصلاحيات – في الإدارة – في المالية – في المنازعات – في الحكامة· مع العلم أن القاعدة المنهجية واضحة : تجمع عناصر التشابه وتوحد المتشابهات· والأسلوب في الدقة والإيجاز وكل ما كان لفظه زائدا على أصل المعنى أو من غير أن تحمل الزيادة فائدة فهو حشو ليس إلا·

   Le premier constat consiste à souligner les innombrables répétitions, tautologies, redondances et autres redites.

– الملاحظة الثانية : تصنيفات معرفية (قانونية, اقتصادية, مالية وإدارية) خاطئة قلبا وقالبا

 إن هذه القوانين التنظيمية الجديدة تتضمن تقسيمات خاطئة مضمونا ومنهجيا, على مستوى التدبير والإدارة, على مستوى الاختصاصات والصلاحيات, وعلى مستوى النظام المالي· هذا إذا اكتفينا بهذه الأمثلة الثلاثة, أما في الواقع, فالحالات عديدة·

– فإذا أخذنا التدبير مثلا, فهو غير مميز عن الإدارة, فالتدبير بالمفهوم الحالي يشمل التنظيم والتسيير, صحيح, لكن التدبير والتسيير نجدهما كذلك في الإدارة, في علم الإدارة, في المالية وفي المحاسبة, ويكفي أننا نقول التدبير الجماعي الحالي ونقصد به السير والتسيير الترابي بصفة عامة.

   نقول بالفرنسية :

La gestion c’est l’action de gérer les affaires de la collectivité, quelles qu’elles  soient : administratives, financières ou comptables. Comprise au sens de management, elle recouvre les connaissances concernant l’organisation et la gestion d’une collectivité. Ainsi, La gestion peut-elle, en effet, embrasser des aspects aussi nombreux que diversifiés, comme l’économie, les finances, l’administration ou la comptabilité.

– وإذا أخذنا الاختصاصات والصلاحيات نجد قسم يتناول اختصاصات الجماعة – الاختصاصات الذاتية والاختصاصات المشتركة والاختصاصات المنقولة – بناء على مبدأ التفريع, كما حددها الدستور, الفصل 140 منه. وقسم يعالج صلاحيات مجلس الجماعة ورئيسه· فحين أن الاختصاصات هي الصلاحيات والعكس صحيح, والجماعة عاجزة عن تحقيق وجودها القانوني بدون ممثليها : المجلس ورئيسه·

نقول بالفرنسية: Les compétences ou les attributions sont les mêmes.

أي الاختصاصات أو الصلاحيات, ولا فرق بينهما في الواقع.

– La compétence, c’est l’aptitude légale d’agir dont dispose une autorité publique ; c’est aussi ses attributions, son pouvoir ou sa qualité pour faire tel ou tel acte.

– La collectivité publique locale c’est la personne morale de droit public représentée par son assemblée et son président. Et comme le disait à juste titre, en substance, le grand juriste L. Duguit (1859 – 1928), je n’ai jamais déjeuné avec une personne morale, je ne vois que des personnes physiques.

– وإذا أخذنا قسم النظام المالي للجماعات الترابية نجده مصنف إلى تسعة أبواب ميزانية الجماعة – وضع الميزانية والتصويت عليها – التأشير على الميزانية – تنفيذ وتعديل الميزانية – حصر الميزانية – النظام المالي لمؤسسة التعاون بين الجماعات – النظام المالي لمجموعات الجماعات – الأملاك العقارية للجماعة – ومقتضيات متفرقة تهم على الخصوص الصفقات العمومية للجماعة والمراقبة المالية·

في حين أن النظام المالي للجماعات الترابية هو أوسع وأشمل بكثير من الميزانية التي تعالجها أبواب هذا القسم·

فالفرق شاسع جدا بين الميزانية والنظام المالي, نقول بالفرنسية:

Système et budget : si le système est un ensemble à la fois théorique et pratique d’expériences, de méthodes et d’institutions, le budget n’est qu’un acte prévisionnel autorisant pour une année civile les recettes et les dépenses de la collectivité.

إذن التوزيع الصحيح لهذا القسم, قسم النظام المالي, يكون في نظري كالتالي: الباب الأول, الوسائل المالية والبشرية, ويضم الموارد على اختلافها والتكاليف والسيولة والكفاءات والسلطات, الباب الثاني, التنظيم المالي, ويشمل المحاسبة والميزانية بمراحلها الثلاثة والبرمجة المالية, السنوية ومتعددة السنوات, والباب الثالث, التدبير المالي, ويهتم بالتحليل المالي القبلي والبعدي, بالاستراتيجيات القراراتية والاختيارات الاستثمارية وبتدبير المالية بما فيها القروض والسيولة والمديونية والاكتفاء الذاتي في التمويل.

تقول القاعدة المنهجية في هذا الصدد : تدمج عناصر الوحدة في نفس الوحدة وإلا قد يؤدي تشتيت وتفكيك العناصر إلى إتلاف المضمون, وبالتالي إتلاف الوحدة نفسها·

Le deuxième constat, c’est que la dislocation ou la désagrégation des composantes d’une unité, quelle qu’elle soit : biologique, sociologique, cognitive ou institutionnelle, détruit non seulement les éléments, les règles ou les principes de sa cohésion, mais aussi l’objet, l’essence, l’ontologie même de cette unité.

– الملاحظة الثالثة: اختلال عميق في التوازن بين أقسام هذه المقتضيات التنظيمية

 إن الاختلال الصارخ في التوازن بين أقسام هذه القوانين التنظيمية يؤثر بصفة عميقة في مضامينها ويعكس بصورة واضحة التوزيع التعسفي لهذه الأقسام·

فقسمي أحكام عامة والمنازعات يتضمنان صفحتين, قواعد الحكامة 3 صفحات, قسمي الاختصاصات والصلاحيات يختلفان باختلاف الجماعة من 4 صفحات إلى 21 صفحة, وقسم الإدارة من 7 صفحات إلى 12 صفحة, وقسم النظام المالي يضم 18 صفحة, وقسم التدبير 24 صفحة: اختلال صارخ في التوازن.

تضاف إلى هذا الاختلال في التوازن أقسام لا تشكل فعلا وحدات مستقلة مثل الحكامة والمنازعات, لكونها هزيلة جدا وعبارة عن بضعة فصول متفرقة· فالأولى, أي الحكامة, قد تدمج في أحكام عامة, والثانية, أي المنازعات, فقرات منها تدمج في اختصاصات رئيس مجلس الجماعة, وأخرى في اختصاصات سلطة المراقبة أي الوصاية سابقا·

أما فيما يخص المنازعات الإدارية المحلية, فهذا شيء آخر, يقتضي, للإلمام بالمادة, مجهودا كبيرا لبناء كل المعطيات والمقتضيات التشريعية والقضائية في هذا المجال, كما وكيفا· تقول القاعدة المنهجية بصريح الكلمة : إن الاختلال في توازن عناصر الموضوع يفسد الموضوع ويفسد المضمون نفسه, بدون شك, ودليل قاطع على مقاربته مقاربة سطحية· وفلسفيا, أو بمفهوم فلسفة القانون, عندما تفسد الأمور يختلط الحق بالباطل فيصبح الحق باطلا والباطل حقا. ونحن نلاحظ هذا يوميا في العديد من القطاعات العمومية: في القضاء, في الإدارة, في الصحة, في السياسة, في التعليم, في البحث, وفي مجالات وأمور أخرى عديدة·

Le troisième constat, c’est que l’approche superficielle d’une problématique (sujet, étude, question, matière, point, affaire…), affecte sérieusement et le fond et la forme de celle-ci. Elle détruit complètement la qualité du travail.

-المحور الثاني: اقتراح تخطيط جديد وهندسة أخرى لهذه القوانين التنظيمية, بناء على تركيب منهجي علمي, أو النظام القانوني الجديد للجماعات الترابية

 سأحاول في هذا المحور أن أدمج القوانين التنظيمية الثلاثة في قانون واحد: النظام القانوني للجماعات الترابية, مادات هذه القوانين الثلاثة تخص الجماعات الترابية وتتضمن نفس المقتضيات بنسبة أكثر من 85 بالمائة· في الواقع كان  من واجب المشرع أن يضع مدونة خاصة بالجماعات الترابية, تخص نظام موحد: النظام القانوني للجماعات الترابية, مادامت الوحدات والأجهزة والوسائل والاختصاصات والقواعد واحدة وموحدة, إن لم نقل هي نفسها.

لأن الفرق شاسع بين نظام واحد وموحد وعدة أنظمة – تخبئ في طياتها الكثير من الأخطاء والتكرار – ليس فقط من حيث الدقة والإتقان والتصور المتكامل والمصداقية في التقنين والتدوين, بل كذلك من حيث حسن التنظيم وجودة التدبير والتعاون والتضامن الجماعي المتبادل. لا يمكننا في الواقع أن نقارن  بين وضع ثلاثة قوانين متشابهة – أو بأدق المعنى مستنسخة – لثلاث مستويات من الجماعات الترابية, مع العلم أن لها نفس النظام, رغم مستوياتها, ووضع قانون جماعي واحد متماسك ومحكم, مادام النظام واحد·

إذن بالنسبة لي, في إطار تصور متكامل للتدبير الجماعي, ورئيا واضحة للواقع الترابي, لا أرى سوى قانونا واحدا ليس إلا, قانونا مقسما إلى أربعة أقسام:

– القسم الأول, أسس ومبادئ النظام القانوني للجماعات الترابية

يتناول هذا القسم تحديد الجماعات الترابية أو المحلية (بلديات, عمالات, جهات)· ويطلق مفهوم جماعة ترابية أو محلية على كل مستوى من هذه المستويات الثلاث (بلدية, عمالة أو جهة)· كما يتناول كذلك المقتضيات والأحكام الدستورية والتشريعية والتنظيمية التي يرتكز عليها القانون التنظيمي, مبادئ وأحكام اللامركزية الترابية, قواعد الحكامة والتدبير الجماعي, وشروط التعاون والتضامن بين الجماعات الترابية.

– القسم الثاني: إدارة الجماعات الترابية وشروط تدبير شؤونها

 يعالج هذا القسم النظام الأساسي للمنتخب, الذي سيصبح مستشارا جماعيا – تنظيم الجماعة (إدارة الجماعة, مجلس الجماعة, رئيس المجلس – الجماعات ذات نظام المقاطعات) – والأجهزة الأخرى لتنفيذ مشاريع الجماعة (شركات التنمية الجماعية – مؤسسات التعاون بين الجماعات – مجموعات الجماعات الترابية – الوكالة الجهوية لتنفيذ المشاريع – صندوقي التأهيل الاجتماعي والتضامن بين الجهات)·

 القسم الثالث : اختصاصات الجماعات الترابية وصلاحيات ممثليها

يدرس هذا القسم الاختصاصات ( الذاتية والمشتركة مع الدولة والمنقولة إليها من طرف الدولة) واختصاصات أو صلاحيات مجلس الجماعة ورئيسه – إبرام اتفاقيات التعاون والشراكة – المراقبة الإدارية – الآليات التشاركية للحوار والتشاور (أي شروط تقديم العرائض من قبل المواطنات والمواطنين والجمعيات)·

 –القسم الرابع : مالية الجماعات الترابية واقتصادها

 

ويعالج هذا القسم الميزانية والمحاسبة والمؤسسات المالية, مصادر التمويل وطرق صرفها,الضرائب والموارد الغابوية, أو المنجمية, وموارد الأسواق, والأملاك العقارية, إلى غير ذلك – ثم الاختيارات الاستثمارية وطرق تنفيذها من خلال المؤسسات والصفقات العمومية وآثارها على المرافق المحلية والشأن العام المحلي وعلى الجماعة عامة· وكما تقول القاعدة المنهجية على لسان الكاتب الفرنسي نيكولا بوالو القرن 17 وبداية القرن 18 تعلم التفكير قبل الكتابة· إنما التعبير امتداد للفكرة· إذا اعتراها لبسا اعتراه, وإذا شابها غموضا شابه· وما أدركناه جيدا ورد بوضوح, والكلمات للتعبير عنه تأتي بسهولة· أسرع العمل على مهلك, بعزم وقوة, راجعه, نقحه, أصقله, هذبه, أضف أحيانا, وشطب في أغلب الأحيان·

 « Avant donc que d’écrire, (disait l’écrivain français Nicolas Boileau, 1636 – 1711), apprenez à penser. Selon que notre idée est plus ou moins obscure, l’expression la suit, ou moins nette, ou plus pure. Ce que l’on conçoit bien s’énonce clairement, et les mots pour le dire arrivent aisément. Hâtez-vous lentement, et, sans perdre courage, vingt fois sur le métier remettez votre ouvrage : polissez-le sans cesse et le repolissez. Ajoutez quelquefois, et souvent effacez… »

– المحور الثالث: القوانين التنظيمية الجديدة ونظام اللامركزية الترابية بالمغرب, أي رهان للرفع من جودة التدبير المحلي .

إن وضع هذه القوانين التنظيمية ورهان الرفع من جودة التدبير المحلي مرتبطان أشد الارتباط بنظام اللامركزية الترابية بالمغرب الذي هو نفسه مرتبط أشد الارتباط بطبيعة النظام المركزي المغربي· والنظام المركزي بالمغرب تحكمه قواعد أربعة دامت قرونا:

القاعدة الأولى: تركيز أو تمركز نصيب من قرارات الدولة, كاملة, بما فيها الإدارية, بقدر هائل من مجموع السلطة, في يد السلطان سابقا أو الملك حاليا, وهو ما يسمى بشخصنة السلطة, السياسية والإدارية·

Le sultan hier ou le roi aujourd’hui est la pièce essentielle du Makhzen hier et de l’administration centrale aujourd’hui. Il détient le pouvoir décisionnel suprême, nomme les hautes autorités de l’Etat et fait régner l’ordre public.

القاعدة الثانية: مركزية نصيب من السلطة, كاملة, بما فيها الإدارية, بقدر كبير من مجوع باقي السلطة, في يد المخزن سابقا (الوزراء, البنيقة, الأمناء, الأعيان, المحتسب) أو الحكومة حاليا وهو ما يسمى بمأسسة السلطة, السياسية والإدارية·

  1. Durand, Traité de droit public marocain, L.G.D.J., 1955 ; M. Lahbabi, Le gouvernement marocain à l’aube du XXe siècle, Editions techniques nord-africaines, Rabat, 1958 ; M. Rousset, Droit administratif marocain, Ed. La porte, 2003 ;

محمد اليعقوبي, تاريخ الدولة والمؤسسات بالمغرب محاولة تركيبية, منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية, الرباط, 1999.

– القاعدة الثالثة: لا تمركز نصيب من قرارات الدولة أو السلطة اللاممركزة للإدارة المركزية, ونقصد هنا المركزية بمفهوم تمركز ومركز, بقدر مهم من مجموع ما تبقى من السلطة, في يد شخص واحد, القائد, الباشا, العامل أو الوالي, وهو ما يسمى بشخصنة السلطة على المستوى الترابي.

« Dans les villes… la réalité du pouvoir était détenue par les agents locaux du Makhzen : khalifa du Sultan, gouverneur, pacha, caïd… fidèles dépositaires de l’autorité centrale ». J. Chabih, Les aspects financiers de la décentralisation territoriale au Maroc, UCAM, collection FSJES – Marrakech, 1997, p. 13.

– القاعدة الرابعة: تنظيم محلي أو لامركزية, بالمفهوم الحالي, مقدار من السلطة, تتغير نسبته ويختلف حجمه باختلاف الزمان والمكان, في يد الجماعة (دوار, فخضة, جماعة, حاضرة, مجلس جماعي…),  وهو ما يسمى بمأسسة السلطة على المستوى المحلي·

« Dans la société tribale il existait deux types d’unité territoriale : le douar et la fakhda qui s’administraient eux-mêmes conformément à leurs usages et coutumes, par l’intermédiaire d’institutions propres : la jemaâ et le cheikh ou amghar » J. Chabih, Les aspects financiers… op. cit. p. 11.

وإذا أردنا احتساب هذه النسب, حسب الواقع الحالي, احتسابا رياضيا, يرتكز على تجربة طويلة في هذا المجال, وفق طبيعة أي نوع من هذه الأنظمة, نحدده كالتالي:

55 بالمئة يحتكره التمركز, أي أن تمركزية السلطة, بما فيها الإدارية, بيد السلطة الرئاسية, تقدر بنسبة 55 بالمئة· 25 بالمئة يحتكره المركز, أي أن مركزية السلطة, بيد الحكومة, تقدر بنسبة 25 بالمئة·

12 بالمئة يحتكره اللاتمركز, بمعنى أن لاتمركزية السلطة, بيد الوالي أو العامل والمصالح اللاممركزة للإدارة المركزية, تقدر بنسبة 12 بالمئة· و8 بالمئة, أي ما تبقى, يكتفي به اللامركز, بمعنى أن لامركزية السلطة, أي السلطات الحقيقية للجماعات الترابية, تقدر بنسبة 8 بالمئة فقط, نسبة ضعيفة, تافهة, مقارنة مع مجالات السلطة الأخر, أي البقية أو ما شاط.

Historiquement, dans les villes, en dehors d’une certaine forme de vie municipale, du reste embryonnaire, notamment dans les agglomérations où la population urbaine était relativement importante, comme Fès, Marrakech, Rabat, Meknès, consistant en une gestion édilitaire élémentaire (assainissement, voirie, entraide sociale), la réalité du pouvoir était détenue par les agents locaux du Makhzen. J. Chabih, Les aspects … op. cit. p. 13.

 إذن, نلاحظ أن حقيقة التنظيم الجماعي, تناسب مفهوم ما هو إضافي أو ثانوي, أكثر من أن تنبني على مبدأ التفريع, كما جاء في الدستور الحالي, الفصل 140 منه.

Le principe de subsidiarité de la répartition du pouvoir, entre l’Etat central et les collectivités locales, signifie réellement la qualité ou le statut subsidiaire dont ces collectivités disposent, pour l’exercice de leur pouvoir. Un pouvoir subsidiaire, qui, en effet, doit venir à l’appui d’un pouvoir plus important, celui de l’Etat, si toutefois, c’est nécessaire.

وعلى هذا الأساس فالتقسيم الثنائي للتنظيم الإداري بالمغرب, أي المركزية واللامركزية – كما هو الشأن تماما بالنسبة للتقسيم المنهجي الثنائي, أي القسم الأول والقسم الثاني – المدون في الكتب القانونية أو المدرس في المحاضرات, لا أساس له من الصحة, لكونه لا يعكس بتاتا واقع التنظيم الإداري المغربي بصفة خاصة, ولا الواقع العلمي بصفة عامة, الذي, كما سبقت الإشارة إلى ذلك, تتشكل بنيته من أربع مكونات أساسية: التمركزية, المركزية, اللاتمركزية واللامركزية.

Voir J. Chabih, Cours de méthodologie juridique de recherche, S5, Droit français, FSJES – Marrakech ; Réflexions sur le processus des modes d’organisation du pouvoir dans les sociétés globales, UCAM, FSJES, Marrakech 1998.

وبمعنى آخر, إن النظام المركزي عموما, أي بمعنى تقنية التنظيم الإداري والسياسي والاستراتيجي والاقتصادي والمالي, يتخذ ثلاثة أشكال: تمركز السلطة, ومركزية السلطة, ولا تمركز السلطة, قد تتعدى نسبته 90 بالمئة من مجموع القرارات الاستراتيجية للدولة, في حين يحصل النظام اللامركزي الترابي – أي النظام الذي كان من الواجب أن يدير نفسه بنفسه, بكل مسؤولية, تحت رقابة الدولة المركزية صحيح, لكن رقابة بعدية فقط, والمتمتع في نفس الوقت بالشخصية الاعتبارية والقانونية, لكن بالموارد المالية الكافية, وبسلطات خاصة منتخبة – على أقل من 9 بالمئة من مجموع السلطة· ومن أسباب زهد وتفاهة نسبة اللامركزية الحالية بالمغرب نلاحظ خصوصا مراقبة دائمة, مشددة, ومستمرة ومتنوعة على الجماعة وعلى أجهزة الجماعة, على اختصاصاتها ووسائل نشاطها وتتخذ ثلاثة أشكال أساسية: مراقبة جغرافية, مراقبة إدارية, ومراقبة مالية·

المراقبة الجغرافية على التدبير الجماعي

ترتكز هذه الرقابة المتواجدة في عين المكان على قاعدة جغرافية, بحيث نجد تربيع محكم وانتشار منظم في جميع ربوع البلاد, في جميع ربوع الدولة, للمصالح اللاممركزة للإدارة المركزية· تتكون هذه الرقابة الجغرافية من مقرات وإدارات ورجال السلطة:  ولاة وولايات, عمال وعمالات وأقاليم, باشاوات وباشاويات, قياد وقيادات ومقاطعات·

إذن نلاحظ ارتباط وطيد ومحكم, بين السلطات الحكومية المتواجدة في العاصمة (الداخلية, المالية···) والمصالح اللاممركزة للإدارة المركزية· هذا من جهة, ونلاحظ كذلك من جهة أخرى، جماعات ترابية بكاملها تديرها مباشرة السلطات اللاممركزة للإدارة المركزية, مثل ما هو الشأن بالنسبة لعامل عمالة الرباط الذي يحل محل رئيس مجلس جماعة الرباط في العديد من اختصاصاته (المادة  111 من القانون التنظيمي رقم 14. 113 المتعلق بالبلديات)·وأفضل مصطلح البلديات عوض الجماعات, لأن الجماعات الترابية تشمل البلديات والعمالات والجهات. أما البلديات فهي تعني فقط الأجهزة أو الدائرة الجغرافية والإدارية للحاضرة أو للمدينة.

La municipalité qui, étymologiquement, provient de cité, désigne aujourd’hui à la fois le corps communal et la circonscription territoriale et administrative de la cité. Et ses  habitants jouissent des droits civils, économiques et sociaux ainsi que des droits politiques locaux.

ونفس الشيء بالنسبة للباشاوات الذين يمارسون اختصاصات رؤساء المجالس الجماعية بمشاور القصر الملكي, المادة 113 القانون التنظيمي رقم 14. 113· كما أن مداولات جماعات المشور, أيا كان موضوعها, لا تكون قابلة للتنفيذ إلا بعد مصادقة وزير الداخلية, المادة 114 القانون التنظيمي رقم 14. 113·

المراقبة الإدارية على التدبير الجماعي

في الواقع تكون هذه المراقبة إدارية وسياسية في نفس الوقت, لأن في بعض الحالات, بل في الكثير من الحالات, يكون من الصعب التمييز بين ما هو سياسي وما هو إداري. بحيث نلاحظ, حسب نوعية الجماعة, أن والي الجهة أو عامل العمالة أو الإقليم أو وزير الداخلية, يمارس المراقبة الإدارية على شرعية قرارات وأعمال رئيس المجلس وعلى مقررات وأعمال مجلس الجماعة, المواد 112 و106 و115 من القوانين التنظيمية رقم 111.14 و 112.14 و113.14.

ولا تكون مقررات وأعمال المجلس الأساسية كالتي تتعلق ببرنامج العمل التنموي للجماعة أو بتنظيم إدارتها أو باتفاقيات التعاون اللامركزي أو بإحداث مرافق عمومية أو بالتدبير المفوض لهذه المرافق إلا بعد, حسب نوعية الجماعة, مصادقة العامل أو السلطة المركزية راجع المواد 115 و 109 و118 من القوانين التنظيمية رقم 111.14 و 112.14 و 113.14.

يمكن للسلطة الحكومية المكلفة بالداخلية أن تتخذ بموجب قرار جميع الإجراءات اللازمة لحسن سير المرافق العمومية الجماعية, المادة .112 من القانون التنظيمي رقم 14. 113· والمقصود بالجماعية هنا البلديات والعمالات والجهات, أي كل الجماعات الترابية·

– المراقبة المالية على التدبير الجماعي

ونفس الشيء هنا بالنسبة للمراقبة المالية, بحيث تكون هذه المراقبة مالية وسياسية على الجماعات الترابية. لأنه في واقع اللامركزية, مهما كانت درجتها, لا يمكن عزل المظاهر المالية عن المظاهر السياسية· فاللامركزية الترابية هي أكيد إدارية, لكن سياسية كذلك, والفيدرالية, نظام سياسي قبل كل شيء, يخول للولايات استقلال سياسي يضفي عليها طابع تنظيم دولتي شامل وكامل, مما لا نجده إطلاقا في اللامركزية· إذن فالفرق شاسع بين اللامركزية الترابية (بشقيها الإداري والسياسي) والفيدرالية· ولهذا أعتقد أن التوجه الإصلاحي الجهوي الحالي الذي يقارن النموذج الألماني, نموذجا فيدراليا, بالنموذج المغربي, نموذج تمركزي-مركزي, ويدعي نقله إلى وتطبيقه على النظام الإداري- السياسي بالمغرب, لا أساس له من الصحة إطلاقا.

  1. Chabih, Réflexions sur le processus des modes d’organisation du pouvoir dans les sociétés globales, op. cit.

وهكذا نلاحظ  مقررات وأعمال المجلس الجماعي (بلدية, عمالة, جهة) المتعلقة بالمالية كوضع وتنفيذ الميزانية أو ذات الوقع المالي على موارد الجماعة وتكاليفها, بما فيها الاقتراضات والضمانات وتحديد سعر الرسوم والأتاوى ومختلف الحقوق وتفويت الأملاك أو تخصيصها وكذا النفقات الإجبارية, لا تكون قابلة للتنفيذ إلا بعد, حسب نوعية الجماعة, التأشير عليها من طرف سلطة الرقابة, حسب الحالات، العامل, الوالي أو وزير الداخلية· ناهيك عن ضعف مصادر التمويل الجماعية وطرق صرفها, وضعف استقلاليتها, وعدم التحكم في الميكانيزمات المالية, وكونها صادرة عن المركز, خصوصا العناصر المهمة منها, حجما وكما, وتتحكم فيها الدولة, وإن كانت بدرجات متفاوتة, بطريقة محكمة·

  1. Chabih, Les aspects financiers de la décentralisation territoriale au Maroc, op. cit. ; Les finances des collectivités locales au Maroc, Essai d’une approche globale des finances locales, Ed. L’Harmattan, 2005.

الخاتمة: بعض التوصيات كأساس للرفع من جودة التدبير الجماعي, واللامركزية الترابية والاختيار الديمقراطي المحلي

وأخيرا أحاول أن أختم بهذا السؤال: هل وضع هذه القوانين التنظيمية الجديدة, في صيغتها الحالية, والقالب الذي وضعت فيه, والنية التي وضعها بها المشرع, سيعمل على الرفع من جودة التدبير المحلي هذا ما أشك فيه ! لأن هشاشة وضعف, بل رداءة, هذه القوانين التنظيمية, من جميع الجوانب, يجعلني أأكد, وأتمنى أن أكون خاطئا فيما أقوله, أن التنظيم الإداري المركزي بالشكل الذي صار عليه حتى الآن مازال لم يتغير أساسا· وكل ما نلاحظه من فينة لأخرى مجرد إصلاحات ميكروسكوبية, مناسبات إصلاحية, تعود وتتكرر من حين لأخر مرغمة اجتماعيا· عيد بأية حال عدت ياعيد ʕ بما مضى أم بأمر فيك تجديد !

ولهذا أعتقد أن هذه القوانين التنظيمية في صيغتها المشتتة, وقالبها الضيق, ونيتها المحصورة, ستظل قاصرة على أن تساهم في الرفع من جودة التدبير الجماعي, واللامركزية الترابية, والاختيار الديمقراطي المحلي, إذا هي لم تأخذ بعين الاعتبار في تعديلاتها الجذرية المقبلة, وأتمنى أن تكون قريبة الأجل, هذه المعطيات الضرورية

التوصية الأولى: يجب العمل على تجاوز هذا التفتيت القانوني ومحاولة جمع كل هذه القوانين التنظيمية, بل كل القوانين الأساسية المتعلقة بالجماعات الترابية, دراستها وتدقيقها واختزالها في قانون واحد, مبسط, واضح, ودقيق: القانون التنظيمي للجماعات الترابية, أو المدونة العامة للجماعات الترابية.

التوصية الثانية: يجب العمل على بناء وتطبيق برنامج سياسي وطني شامل, متعدد السنوات, برنامج طموح, واسع, وممتد, لتكوين المنتخب الجماعي في مجالات متعددة الاختصاصات كالتعليم واللغات والإدارة والمالية والتدبير والتسويق الترابي والحكامة, سعيا إلى إشعاره بالمسؤولية في التدبير الجماعي  وربط فعلا المسؤولية بالمحاسبة والتخليق الفعلي للشأن العام المحلي وللحياة السياسية الجماعية.

التوصية الثالثة: يجب التقليل من حدة الرقابة أو الوصاية على الجماعات الترابية, بما فيها الرقابة الجغرافية والمالية والإدارية كما سبق ذكرها في هذا المقال, والكف عن اعتبار المنتخب قاصرا والمعين راشدا. وضرورة زرع في الحياة السياسية الوطنية والمحلية مفهوم جديد للإدارة, مفهوم جديد للتدبير, مفهوم جديد للرقابة, وإحداث نوع واحد من المراقبة, مراقبة مسؤولة, مراقبة بعدية. فالمنتخب أو المعين, محليا, جهويا أو وطنيا, له كامل الصلاحية في تنظيم وتسيير مصلحته والإشراف عليها ما دام يسيرها بنزاهة وكفاءة ومسؤولية, وإن زاغ عن الطريق المستقيم فعاقبته جزاءا مبينا.

التوصية الرابعة : يجب توفير الوسائل الضرورية لحسن سير المؤسسات الترابية. وتكمن هذه الوسائل في دعم الجماعات المحلية بموارد بشرية كما وكيفا, في إثراء التدبير الجماعي بتجهيزات تكنولوجية لائقة بما تستدعيه متطلبات التدبير الجيد, وتزويدها بإمكانيات وصلاحيات تمكنها من اكتساب موارد مالية كافية ومتنوعة, وإمكانية استثمارها في مرافق عمومية محلية لا تندي الجبين, بل جديرة بالمواطن, جديرة بالإنسان.

التوصية الخامسة: يجب تغيير طبيعة العلاقة التي تربط الدولة المركزية بالجماعات الترابية, وبنائها على أسس مغايرة تماما لما هي عليه الآن: علاقة الآمر بالمأمور, علاقة السيد بالمريد. بل علاقة تؤسس على مبادئ ديمقراطية, كالثقة والتشاور والتعاون, وعلى قواعد جديدة في التدبير الوطني – المحلي, كالمسؤولية والفعالية والمردودية. إن أنجع القواعد في الإدارة والتدبير والتسيير هي القواعد المبنية على أساس اكتساب الثقة في النفس والتحلي بالنزاهة والمسؤولية والتحفيز والتشجيع المادي والمعنوي.

                                                                                                                            * أستاذ التعليم العالي في القانون بجامعة القاضي عياض – كلية الحقوق  – مراكش               

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *