المغرب، دولة ذات تعداد سكاني متزايد بسرعة يتجاوز 37 مليون نسمة، يواجه تحديات متزايدة في إدارة نفاياته الصلبة. أنتجت البلاد أكثر من 7 ملايين طن من النفايات في عام 2020، حيث شكّلت المناطق الحضرية حوالي 5.5 ملايين طن والمناطق الريفية 1.6 مليون طن. ومع ذلك، قد لا تعكس هذه الأرقام من المصادر الرسمية إنتاج النفايات في المغرب بشكل كامل بسبب النمو السكاني المستمر، والتطور الاقتصادي، والقطاع غير المهيكل.
حجم مشكلة النفايات في المغرب
تنتشر في المغرب طرق التخلص من النفايات بشكل غير صحيح، مثل إلقاء النفايات في العراء والمكبات غير المنظمة، مما يشكل مخاطر بيئية وصحية عامة كبيرة. تتفاقم هذه الممارسات بسبب عوامل، مثل التوسع السكاني، وتغير أنماط الاستهلاك، ونقص البيانات الدقيقة، مما يعقد تنفيذ سياسات إدارة النفايات الفعالة.
إحدى المشكلات الأكثر إثارة للقلق هي شيوع حرق القمامة وسيلة للتخلص من النفايات. تؤدي هذه الممارسة إلى إطلاق ملوثات ضارة مثل الديوكسينات، والجزيئات الدقيقة، والهيدروكربونات العطرية المتعددة (PAHs)، والبيفينيلات متعددة الكلور (PCBs)، والمركبات العضوية المتطايرة (VOCs) في البيئة، مما يشكّل مخاطر صحية خطيرة على الساكنة القريبة، وخاصة الأطفال وكبار السن.
كما أن الرماد الناتج عن حرق النفايات يمكن أن يلوث التربة ومصادر المياه بالمعادن الثقيلة، مثل الزئبق والرصاص والكروم والزرنيخ، مما يعرض الصحة العامة وسلامة الأغذية للخطر. بالإضافة إلى ذلك، يواجه القطاع غير الرسمي (غير المهيكل) من جامعي النفايات، بما في ذلك الأطفال، ظروف عمل قاسية، والتعرض للمواد الخطرة أثناء فرز النفايات البلدية.
الاستجابات الاستراتيجية
بدأ المغرب استراتيجيات عدة لإنشاء نظام مستدام لإدارة النفايات ونذكر منها:
-
تحسين مهنية جمع النفايات: جرى اقتراح إشراك القطاع الخاص في جمع النفايات لتحسين الكفاءة والتغطية، خاصة في المناطق الحضرية.
- المكبات المنظمة: يعتبر زيادة التخلص من النفايات في المكبات المنظمة أولوية، مع خطط لترميم ما يصل إلى 80 موقعاً للمكبات في جميع أنحاء البلاد.
- مبادرات إعادة التدوير: الهدف هو زيادة معدلات إعادة التدوير، مع دعم البنك الدولي للجهود الرامية إلى تحسين إعادة التدوير بنسبة 20%.
- الإطار القانوني والمؤسسي: جرى إطلاق استراتيجية متكاملة تشمل إطاراً قانونياً ومؤسسياً، مع التركيز على تطوير نظام شامل لمعالجة النفايات واستعادتها.
-
الخطط الوطنية: طور المغرب خططاً وطنية، مثل الخطة الوطنية لإدارة النفايات (PNDM)، بهدف الانتقال نحو “مجتمع خالٍ من النفايات”. تركز هذه الخطط على التوعية العامة، والتعليم، ومشاركة المنظمات غير الحكومية (NGOS) والقطاع الخاص.
في عام 2006، أصدر المغرب أول قانون للنفايات الصلبة، وهو خطوة مهمة نحو إنشاء إطار قانوني لإدارة النفايات.
ويتناول القانون جوانب مختلفة، بما في ذلك جمع النفايات، ومعالجتها، وفرزها، وتخزينها، والتخلص منها، واستعادتها، مع مراعاة الوضع الاقتصادي والاجتماعي لجامعي النفايات والخصائص المحددة لمجاري النفايات المختلفة.
الدعم والتمويل الدولي
حظيت جهود المغرب لمعالجة تحديات إدارة النفايات بدعم وتمويل دوليين. ففي عام 2008، خصص البنك الدولي مبلغ 271.3 مليون دولار أميركي للحكومة المغربية لتطوير خطة إدارة النفايات البلدية. وتركز هذه الخطة على ترميم مواقع المكبات، وتحسين خدمات جمع النفايات، وزيادة معدلات إعادة التدوير بنسبة 20%.
ومع أنه من المتوقع أن يعود هذا الإصلاح بالفائدة على سكان المناطق الحضرية، إلا أنه من الضروري التأكد من أن الفوائد تمتد إلى 43% من المغاربة الذين يعيشون في المناطق الريفية، والذين غالباً ما يفتقرون إلى البنية التحتية والخدمات المناسبة لإدارة النفايات.
وأخيراً إدارة النفايات المستدامة هي تحدٍ حاسم للمغرب، لما لها من آثار بعيدة المدى على الصحة العامة والبيئة والتنمية المستدامة. بينما اتخذت البلاد خطوات كبيرة نحو معالجة هذه المشكلة، من خلال المبادرات الاستراتيجية والأطر القانونية والدعم الدولي، ولا يزال هناك الكثير من العمل الذي يجب القيام به.
سيتطلب التغلب على أزمة إدارة النفايات في المغرب نهجاً متعدد الأوجه، بما في ذلك الاستثمار المستمر في البنية التحتية، وحملات التوعية العامة والتعليم، والتعاون بين أصحاب المصلحة، والالتزام القوي بتطبيق اللوائح والسياسات القائمة. ومن خلال مواجهة هذا التحدي بشكل مباشر، يمكن للمغرب أن يمهد الطريق نحو مستقبل أنظف وأكثر صحة واستدامة لجميع مواطنيه.
عالمة بيانات وباحثة في مجال التكنولوجيا.
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي الملاحظ جورنال و إنما تعبر عن رأي صاحبها.