تقنيات الكتابة في مجموعة “كأنثى صحت لتوها” للقاصة: سميرة المنصوري العزوزي.

القائمة البريدية

إشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد الموقع .

عبد الرحيم التدلاوي
قراءة في المـتـن:
بعد المجموعة الشعرية الأولى، للمبدعة المغربية : سميرة المنصوري العزوزي، والتي تحمل عنوان «صرخات مكتومة» الصادرة سنة 2015 ، ها هي تصدر مجموعتها الثانية، لكن في مجال القصة القصيرة، وقد حملت العنوان التالي: «كأنثى صحت لتوها»، وقد نسجت القاصة شخصياتها من الحرف والدمع والذاكرة. جاءت المجموعة في تسع وسبعين صفحة من القطع المتوسط، وتضم تسعة عشر نصا قصصيا. تحمل عناوين منها: « لا يهم .. المهم أن»؛ «عالم الرجل»؛ «جوناء المساء»؛ «مِّي فاطمة»؛ «حصار»؛ «ذكرى من الذكريات»؛ «الولي الصالح» وغيرها ، تميزت بالغوص في واقع الحياة المعيشة.. في مجموعتها القصصية نجد انشغالا بقضية المرأة؛ وضعها وعلاقتها بأبيها وزوجها وبالعالم الداخلي والخارجي وما يحملانه من إكراهات. وأهم التيمات التي تناولتها القصص القصيرة لسميرة المنصوري، قد تنوعت ما بين الذات والطفولة والذكورة والجسد والمرأة والمكان وغيرها. وهي ثيمات تتداخل مع أخرى مجاورة لا تقل أهمية. تعد المجموعة حقلا يحتفي بالجدل، ففي كل قصة من قصصها هناك صراع بين طرفين: الزوج والزوجة. لكن، لا ينبغي الاعتقاد أنه صراع يهدف إلى سحق الآخر، ومحوه، بل هو صراع يظهر العلاقة الخفية والمعلنة بين الطرفين، تكون، في أحيان متوترة، وفي أخرى، تتطلب لفتة تنعش الروح وتعيد المركب إلى جادة السير. وقد لعب التذكر دورا مهما في تنامي الأحداث وتطورها، فهو العنصر الذي يبرز تناقضات العلاقة، وما يكتنفها من توتر، وما تختزنه الذوات المتصارعة من طموحات ورغبات. لقد جعلت القاصة من وضعية المرأة العربية عامة والمغربية على وجه الخصوص مرتكزا موضوعاتيا لقصصها، كما قال الشاعر” حسن عبيدو” في تقديمه للعمل، مضيفا، أنها قد <<لفتت بذلك الأنظار إلى جملة من قضاياها في أبعادها الاجتماعية والنفسية، وهذا ما يفسر أن الشخصية المحورية في كل نصوصها، عدا قصة واحدة، كانت امرأة. فالبعد الاجتماعي قائم في إدراك جملة من المتاعب والمشاق التي تكابدها المرأة سواء بالمدينة أو القرية. وسواء كانت عاملة أو ربة بيت وسواء كانت صغيرة يافعة أو ناضجة محنكة، فكل هذه الفئات ومهما اختلفت مهنها أو فضاءاتها تكابد في ظل مجتمع عربي متخلف يحكمه التسلط والخرافة والجهل.>> والناظر بعمق إلى مجمل النصوص سيدرك أن الخيط الناظم لها هو الرغبة في سيادة الانسجام بين أطراف الأسرة، فاستقرارها هو استقرار للمجتمع، فكل من الزوج والزوجة ضروريان لتسير المركبة من دون تعثر، وليتحقق ذلك، لا بد من سيادة الحب بينهما، لأنه إكسير الحياة، ودينامو بقائها مستمرة، تقاوم به كل أنواع المشاكل المهددة لوجودها. ومن هنا، نفهم الأسباب التي دفعت القاصة إلى حمل رسالة اجتماعية ذات أهمية بالنسبة للأسرة والمجتمع على حد سواء. وما يهدد الأسرة جملة عناصر؛ منها فقدان الأب، وتجاهل الزوج أو بفعل الروتين، (ص 11 و 45 )، والخيانة الزوجية،(ص76 )إلخ، مما يجعل استقرار المجتمع ككل في مهب الريح. لذا، تصر القاصة على ضرورة تطعيم الأسرة بقدر كاف من الحب كترياق يحفظها من التشتت، ويحفظ الأبناء من التشرد والضياع.. لقد نحت المبدعة منحى جديدا بدأ يتقوى وهي تختار عنوانا جامعا لنصوص مجموعتها غير وارد بداخل المتن، إنه عنوان خارجي يجمع ويوحد، بشكل حيادي لا ميل فيه لأي جهة ما، إنه عنوان خاص يدل عليه في الوقت الذي يدل على النصوص التي يحتويها، فنحن لا نجد حكاية داخل المجموعة تحمل عنوان ” كأنثى صحت لتوها”، بل العنوان يؤطر المجموعة دون أن يسجل بصمته بين النصوص، لكن القراءة العميقة تبين عكس ذلك، فالعنوان حاضر بقوة مجازا وحقيقة؛ فالمرأة حاضرة في مجمل النصوص، ومن هنا جدوى بروزها في العنوان الذي صار خيمة لها تظللها متى انتقلت من نص لآخر. لقد كان الحكي أصلا في المجموعة داخليا، إذ الشخصية المحورية في النصوص هي نفس الأنثى البشرية حيث انبثاق الحزن القاتم من الفرح، وشروخ النفس، وحطامها ، وصرخاتها ، ورغباتها ، وتطلعاتها ، أنوثة حائرة مشروخة، تسائل النفس و الرجل في آن. لقد اعتمدت المبدعة في تقديم نصوصها على التنويع في ضمائر الحكي، بيد أن الغالب عندها هو توظيف ضمائر المؤنث الغائب، وضمائر المؤنث المخاطب وقد مكنها هذا التوظيف من التحكم بدقة في مجرى السرد، مع الحد من حرية الحركة لدى الشخصية الحكائية، بمعنى حصول نوع من الالتفاف حول الشخصية والتحكم في مصيرها بكل عزم وتصميم.
***الجـمــالـيـة:
يقول الشاعر “حسن عبيدو” في تقديمه للمجموعة: << كل كتابة أدبية إلا وتروم إقناع القارئ بجمالية نظمها وعمق متخيلها فمنها من ينجح صاحبه في بغيته بنسبة ما من النسب ومنها من يخفق مع الحذر كل الحذر في نسبية الجمالية فما قد يكون جميلا في ثقافة قد لا يكون جميلا في ثقافة أخرى. وما يكون جميلا في وقت قد يبهت في وقت آخر. بل حتى إن خبرة القراء تتفاوت في إدراك حظ من الجمال أو عدم إدراكه>>. فما هي الآليات أو التقنيات التي وظفتها المبدعة لبناء نصوصها بما يحقق جمالياتها؟ لعل نظرة سريعة ستجعل القارئ يتوصل إلى أنها استغلت بذكاء كثيرا من التقنيات، سنركز على بعضها، تاركين غيرنا يواصل رحلة الكشف والتعديل. وأول عنصر نود الإشارة إليه، ها هنا، وإن باقتضاب، هو عنصر الإلتفات. الالتفات: يعتبر من العناصر المهمة في تلاحم النسيج النصي، وبنائه بطريقة فنية ذات انسياب، حيث إن الضمير ينتقل بشكل سلس من الغائب إلى المتكلم من دون أن يخل بالبناء العام للنص، ومن دون أن يشعر القارئ باهتزاز أثناء هذا الانتقال، بحيث يمكن أن نطلق على هذا الانتقال اسما مستعارا من الشعر، ألا وهو: حسن التخلص، فالقاصة تنتقل بيسر من ضمير لآخر مختلف، مما يدل على تحكمها في دفة السرد، وسير الحكاية، ومن الأمثلة الدالة على ذلك، ما نجده في نص “جوناء المساء” (ص 45)، فبعد أن كان السرد بضمير الغائب، انتقل بسرعة إلى ضمير المتكلم عبر سطر يمكن تسميته بالقنطرة، إنه السطر الفاصل بين الضميرين، لا يشعر القارئ بهذا الانتقال، لأنه غير فجائي، بل تم التمهيد له بذلك السطر القنطرة، ليعبرها بسلاسة لا تضر بانسيابية الحكي: <<قبلتْ بالثاني وقلبها يخفق للأول {…} كان حرصها على وصول خبر ارتباطها إليهم أكثر من حرصها على هذا الارتباط نفسه. لم تمر إلا أشهر قليلة حتى وجدت نفسها في بيتها … مر كل شيء وكأنها في حلم. وفي يوم من أيام الله، وجرحي لم يندمل بعد…>> (ص 46). هكذا نجد السطر المفرد يشكل معبر انتقال الضمير من الغائب إلى المتكلم المفرد، وبالتالي، يصير النص مسرودا بضميرين بشكل متعادل، نصفه الأول بالغائب، ونصفه الثاني بالمتكلم المفرد، وكأننا أمام حكايتين بضمرين؛ لكن هذا التنويع كان لضرورة فنية ودلالية، فضمير المتكلم المفرد جاء للتعبير عن دواخل الشخصية وما تهجس به نفسها من أفكار وغيرها، وفي حين، كان ضمير الغائب قد تكفل بالحديث عن الأحداث الخارجية. تقنية استدعاء النصوص الداخلية لإقامة حوار بينها: من الملامح التقنية التي ميزت هذه المجموعة، استدعاء بعض نصوصها لنصوص سابقة عليها لتملها، ومحاورتها بغاية الاستفادة منها معنويا وفكريا وفنيا. ففي نص “الطفلة التي كنتها” (ص 25)، كان الحديث عن طفولة الساردة بفعل استرجاع معتمد بالأساس على الذاكرة، استرجاع لأحداث ظلت منطبعة في النفس بقوة لم يستطع الزمن محوها؛ وقد كان النص مستقل البناء والكيان والدلالة، بيد أنه سيفقد استقلاليته ليصير جزءا من نص آخر، هو : “نافذة” (ص 29)؛ لا يقوم إلا بدور النص الغائب الذي يغني النص الجديد. هذا الملمح لم نعثر له على أثر فيما وقع بين أيدينا من إضمامات، وبناء عليه، نعتبره ضمن التقنيات الجديدة التي تغني السرد وتسهم في تطويره. ولعل في كلمة “نافذة” التي شكلت عنوان النص الجديد ما يحمل على الاعتقاد أن النص الجديد ما هو سوى تتمة للنص السابق عليه، يتم استعادته للعبرة والموعظة، ولإلقاء الضوء على جوانب من حياة شخصيته الأساس، لم يسعف الوقت ولا المجال للتطرق إليها فيه؛ ولتحقيق لذة جمالية للقارئ، تدعوه إلى تتبع النصوص في تسلسلها، وإذا ما قام بالقفز، بعدم احترام هذا التسلسل، فسيكون مضطرا للعودة إلى الترتيب المحكي للمجموعة. صحيح أن العمل لا يفرض قراءة واحدة، ولا يطلب اتباع تسلسل النصوص، لكن التداخل النصي يدعو إلى الاهتمام بجانب الفهرسة المنظمة. إن الاستدعاء يعد بالنسبة لي تقنية تعتمد على المقابلة لباسا لها. حيث تقدم القصة المؤطرة، بفتح الطاء، حجة تهدف إلى إقناع شخصية القصة المؤطرة، بكسر الطاء، بضرورة تقبل واقعها، والرضا بما هي عليه، فحياتها أسهل، وأروع من حياة الفتاة الصغيرة التي عانت في حياتها جراء فقدان الأب، وبفعل الفقر الشديد. كما أن شخصية ‘نافذة’، ما هي إلا شخصية ‘الطفلة التي كنتها’ وقد تغيرت أحوالها، بعد أن استكملت دراستها، وتفوقت فيها، وصارت موظفة.
***الجانب الحجاجي في المجموعة:
اعتمدت المجموعة على الحجاج سواء باعتماد بناء النص الحجاجي، أم باعتماد الحجج الإقناعية.
أ‌- بناء النص الحجاجي:
ففي نص “وكأن شيئا لم يكن” (ص 69)، نجد أنه بني بطريقة نص الحجاج بالخبر. فقد تشكل باعتماد النتيجة فالسبب، بمعنى، أنه أخر ما ينبغي تقديمه، وقدم ما ينبغي تأخيره، إنها طريقة فيها تشويق، ومحاولة التركيز على النتائج كان بغاية إقناع القارئ بأطروحة الكاتب. فإذا كانت النتائج ذات ارتباط باللحظة الراهنة، لحظة إهمال الزوج، مما أدى إلى تدهور حالة الزوجة، وفقدانها لطراوتها، فإن السبب، قد ارتبط بالماضي، حيث كانت السعادة عنوان الزوجية، وكانت الزوجة تعيش أزهى لحظات عمرها، هي الطرية والجميلة. وبناء عليه، يكون الإهمال عنصرا مرفوضا، ينبغي تجاوزه لتحقيق المصالحة، وتلك أطروحة النص والمجموعة ككل. وفعلا، لقد أدرك الزوج فداحة إهماله، فسعى إلى رأب الصدع، وتقليص الخسائر. فكان أن استعادت الزوجة بهجتها، وطراوتها.
ب ـ الحجاج بالإقناع:
إن الطرح الذي انبنى عليه النص، ورام إقناعنا به، هو أن المرأة تشبه الوردة من نواح عدة، ولذا، فهي بحاجة إلى رعاية واهتمام، فمتى تم سقيها والحدب عليها أينعت وفاح عطرها، ومتى تم تجاهلها، وإهمالها، سارع إليها الذبول والهرم. وقد اعتمد السارد، لإقناعنا بهذا الطرح، على بنية النص الحجاجي، إذ بدأ بالنتيجة وأنتهى بالنتائج المتضمنة للحجج، وهو ما يمكن تسميته بالنظام العكسي التنازلي: النتيجة ——- الأسباب. وعليه، فإن من بين الأسباب الوجيهة، والأكثر رجاحة، والأشد لإقناعنا بالطرح أعلاه، أن الزوجة بحاجة للرعاية والحب، حتى يتحقق تكاملها النفسي/ العاطفي، والجسدي. ونعتقد أن القسم الثاني، ما هو إلا تمثيل بمثابة حجة الغاية منه إقناع المتلقي بصدقية الطرح؛ فالمشهد برمته ينمو إلى أن يبلغ منتهاه، ضاما، في مسيرته، كل العناصر المدعمة للأطروحة: ضرورة الاهتمام بالزوجة حتى تظل يانعة مخضرة الروح والنفس والجسد. ختما: يمكن القول إن المجموعة تكاد تقول: الشوق إلى المرأة لا يَنْقطع، ووصالها لا يُقْنِع. ذلك أن الرجل،إذ يُحِبّ المرأة،إنما يُحب ذاته. فلا فكاك لأحد عن هوى نفسه، كما لا فكاك له عن الوعي بذاته. والذات، بما هي رغبة وشهوة وشهيّة، جُرْح لا يَلْتئم، وبئر لا يَرْتوي، وثُقْب لا يُسَدّ.إنها “جُرْح رمزي”. والرمز يشير دوماً إلى غيّاب،ويُحيل أبداً إلى شيء..ليس لمن له قلب أن يَقِرّ هواه، وليس لمن له جسد أن يَسْكُن شَوْقُه. بل المرء تَسْعى به أبداً حاجاته، وتتقلّب أهْواؤه. وهو يشعر بالحاجة إلى الخروج والتّيه،على در ما يَسْكُن ويُقيم../
‘ الحب والفناء’. 1
ولتقنعنا بالطرح، اعتمدت تقنيات عدة، من أهمها، تداخل النصوص، واعتماد النص الحجاجي بناء وطرحا، وتقنية التقديم والتأخير.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *