سجّلت دراسة تحليلة ميدانية حديثة صادرة عن مبادرة الإصلاح العربي مجموعة من التحديات التي تواجه أجرأة مشروع تعميم التغطية الصحية وبلوغه الرهانات المجتمعية المتعددة الموضوعة عليه، من قبيل عدم فعالية ربط الاستفادة من الرعاية الصحية بنظام الاستهداف، لكونه يقصي بعض الفئات المستحقة، بسبب تصنيفهم خارج العتبة، ووجود ضبابية في تمويل هذا المشروع؛ فضلا عن غياب الرعاية الصحية لبعض الفئات المجتمعية، كالأمهات العاملات في القطاع غير المهيكل، واللاجئين والمهاجرين، ومحدوديته بالنسبة لفئات أخرى، كذوي الإعاقة.
هذه الدراسة، التي جاءت بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات على انطلاق ورش الحماية الاجتماعية بالمغرب، وأعدها السوسيولوجي عبد الهادي الحلحولي، استندت إلى مقابلات ميدانية على “بزوغ ملامح سياق تدخل سياساتي مختلف للدولة تجاه مسألة الضمان الاجتماعي داخل السياق المجتمعي عبر محاولة مأسسته، خصوصاً لصالح الفئات غير المؤمنة، ما أنتج دينامية من الفعل الاجتماعي، سواء من قبل الفاعل الرسمي أو حتى داخل أوساط الفئات غير المؤمنة من التجار الصغار، والفلاحين، والمعوزين والفقراء”.
وسجلت الدراسة أنه نتيجة هذه الدينامية “باتت تجد فئة من المستهدفين سبيلها إلى العلاجات أو الخدمات الصحية، وطلب التعويض عن الضرر، أو تكاليف العلاج من صناديق الاحتياط الاجتماعي، ما يضعنا أمام تحول هام في منظومة الضمان الاجتماعي في المغرب، بعدما بقيت فكرة هذا الضمان نخبوية منذ استقلال المغرب حتى تاريخ تفعيل النظام الجديد”، مردفة بأن “الوضع الاقتصادي والاجتماعي أصبح هو ما يحدد إمكانية التعويض عن الضرر، أو التغطية الكاملة أو الجزئية للأفراد”.في المقابل كشفت نتائج الدراسة عينها، التي اطلعت عليها هسبريس، “مجموعة من الفجوات التي ستقف أمام فعالية الحق في العلاج، وإجراءات التغطية الصحية الشاملة في المغرب”، على رأسها “عدم فعالية ربط الاستفادة من الرعاية الصحية بنظام الاستهداف الاجتماعي، خصوصاً بسبب هشاشة معايير الاختيار وضبابية وضع العاملين في القطاع غير الرسمي، والانتشار الواسع للبطالة، واتساع وعاء المهمشين”.
وفق المصدر ذاته فإنه على هذا الأساس “يمكن لنظام الاستهداف الاجتماعي في المغرب أن يساعد على الحد من عدم المساواة، من خلال توفير دعم أكبر للأسر المحرومة، لكنه قد ينتج استبعاداً آخر، كحذف المستفيدين المؤهلين، أو إنتاج وصم جديد للمجموعات المستهدفة عبر نشر لوائح المستفيدين”.
ولفتت دراسة “مبادرة الإصلاح العربي” الانتباه إلى أن “الإقصاء في الاستهداف، إذ تستثنى بعض الفئات من الحق في الضمان لا إرادياً، عبر تصنيفها خارج العتبة، يتعارض مع منظور الحماية الصحية كحق من حقوق الإنسان، بدل ضمانته اللامشروطة للفئات المعوزة أو الهشة”.
“فجوة أخرى” توصل إليها معد الدراسة تتمثل في “وجود ضبابية في كيفية تمويل التغطية الصحية الشاملة”، مرجعا إياها إلى “كون الدولة المتكفّل الرئيسي بأداء مساهمات فئات واسعة من المستهدفين مقابل صعوبة استدامة اشتراك بقية الفئات في أداء واجبات الانخراط، بسبب هشاشة وضعها الاجتماعي والمهني، أو بسبب رفضها الانخراط في ضمان اجتماعي للدولة، مفضلة ضماناً آخر، لدى الوكالات الخاصة على سبيل المثال لا الحصر”.
ونبّهت الدراسة التحليلية عينها إلى “غياب الرعاية الصحية للأمهات العاملات في القطاع غير الرسمي (غير المهيكل)، رغم كونهن الأكثر عدداً في المغرب”، راصدة في الآن ذاته “محدودية التصور المقدم للأشخاص ذوي الإعاقات في مجال الرعاية الصحية، خصوصاً في ظل غياب تجانس هذه الشريحة الاجتماعية، بسبب تعدد خصوصياتها الجسدية، وبالتالي، تعدد حاجاتها إزاء نظام الرعاية الصحية”.
كما توقف الدراسة، بناء على مقابلات مع أفراد معوزين، وآخرين من غير الأجراء ينتمون إلى الفئات الهشة، وكذاء خبراء وسياسيين ومتخصصين في موضوع الحماية الاجتماعية والصحة بالمغرب، عند “استبعاد التغطية الصحية الشاملة المهاجرين واللاجئين كلياً”، مشيرة إلى أن ذلك “يتعارض أيضاً مع المقاربة الحقوقية”.
ولعل من أبرز التحديات التي تواجه مشروع تعميم التغطية الصحية بالمغرب، كذلك، “الفجوة الرقمية التي تحول دون وصول العديد من المستهدفين والمعوزين إلى الرعاية الصحية”، وفق المصدر عينه، الذي أكد أن “هذه الفجوة تزداد أمام كبار السن، والمعزولين جغرافياً”، مسجلاً “عدم طرح ورش التغطية الصحية الإجبارية أي بدائل أو ضمانات تسهم في استفادتهم من الدعم ومن الرعاية الصحية، فضلاً عن الصعوبات الإدارية، والمساطر المحددة للتسجيل والاستفادة”.